خطبة الوضوء -مفرغة-
خطبة الوضوء
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ……… …
أيها المسلمون عباد الله/
إن الله عز وجل لما فرض علينا الصلاة اشترط لها شروطاً , وأوجب لها واجبات تـُفعلُ بين يديها ومعها , وإن من أعظم شروط الصلاة وواجباتها الوضوء قبلها , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )) رواه البخاري , وعن مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الطهور شطر الإيمان )) رواه مسلم , والمراد بالإيمان هنا الصلاة فالطهور شطر الصلاة وجزء مهم فيها .
وأصل الوضوء من الوضاءة , والوضاءة هي الحسن والنضارة , وبهاء الوجه واليدين , وهذا هو ما يثمره وضوء الصلاة ؛ فإنه ينظف اليدين , ويثمر نوراً في الوجه والأعضاء , فإذا كان يوم القيامة جاء المتوضئون غراً محجلين بالنور من آثار الوضوء , وبتلك السيماء يعرف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أمته من بين الأمم , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَرِدُ عَلَيَّ أُمَّتِي الْحَوْضَ، وَأَنَا أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ، كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ إِبِلَ الرَّجُلِ عَنْ إِبِلِهِ» قَالُوا يَا نَبِيَّ اللهِ أَتَعْرِفُنَا؟ قَالَ: « نَعَمْ لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِكُمْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ » رواه مسلم .
أيها المسلمون عباد الله /
لقد فرض الله عز وجل علينا الوضوء في كتابه العزيز فقال : (( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين )) . وقد استنبط فقهاء الإسلام من هذه الآية ستة فروض للوضوء :
أما الفرض الأول فهو النية : وهي قصد الفعل وإرادة التعبد والتقرب إلى الله عز وجل بذلك الفعل , وقد استنبطوا ذلك من قول الله عز وجل: (( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا…)) فإن معناها إذا أردتم الصلاة وقصدتموها فتوضأوا .
والنية محلها القلب , فينوي المسلم بقلبه التعبد له عز وجل بغسل هذه الأعضاء , ولا يشرع التلفظ للمسلم أن يتلفظ بالنية ؛ لأن التلفظ بها أمر محدث لم يرد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن أحد من السلف والأئمة.
والفرض الثاني من فروض الوضوء : هو غسل الوجه لقوله تعالى : (( فاغسلوا وجوهكم )) .
والفرض الثالث: غسل اليدين إلى المرفقين لقوله تعالى : (( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق )) .
والفرض الرابع : مسح بعض الرأس ؛ لقوله تعالى : (( وامسحوا برؤوسكم )) .
والفرض الخامس : غسل الرجلين إلى الكعبين لقوله تعالى : (( وأرجلكم إلى الكعبين )) .
والفرض السادس : الترتيب بين هذا الأركان ؛ لأن الله عز وجل لما ذكر الفروض الأربعة التي نص عليها في الآية فصل بين غسل اليدين وغسل الرجلين بمسح الرأس , فدل على إرادة الترتيب ؛ لأنه لو لم ُيرِد الترتيب لجمع بين المغسولات ولم يفصل بينها بممسوح ؛ ذلك أن العرب لا تفصل في كلامها بين المتماثلات إلا لحكمة , والقرآن نزل على لغة العرب وتصرفاتها , ولا حكمة ظاهرة هنا من الفصل بين المتماثلات إلا إرادة الترتيب.
وقد زاد بعض الأئمة فرضاً سابعاً للوضوء وهو الموالاة بين الأعضاء والتتابع بينها بحيث لا يجف عضو حتى يُغسل العضو الذي يليه .
أيها المسلمون عباد الله :
وقد بيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم في سنته صفة الوضوء الكامل بفروضه وسننه, و نقل أصحابه رضي الله عنهم تلك الصفة في أحاديث كثيرة يطول الكلام بإيرادها , وهذا ملخص لتلك الصفة مع التنبيه على بعض ما يقع من الناس في الوضوء من تقصير خلل .
– فيبدأ وضوءه بالبسملة وليكن ذلك قبل دخول الخلاء .
– و يستاك في أول وضوءه أو عند المضمضة , ثم يغسل كفيه إلى الرسغين ثلاثاً .
– ثم يتمضمض ويستنشق ويستنثر ثلاث مرات بثلاث غرفات بيده ويبالغ في ذلك إلا أن يكون صائماً .
– ثم يغسل وجهه ثلاثاً , ولا يضرب الماء بوجهه بل يغسله برفق , ويستوعب وجهه بالغسل فيغسل البياض الذي بين أذنه وعذاره (وهو الشعر الذي يقابل الأذن في الوجه ) ويخلل لحيته , ويستوعب وجهه بالماء في كل غسلة.
– ثم يغسل يديه من أطراف أصابعه إلى مرفقيه ثلاثاً , بادئا باليد اليمنى ثم اليسرى , ولا يكتفي بغسل كفيه في أول وضوءه كما يفعل بعض الناس, بل يغسلهما مع غسله لساعديه أيضا.
– ثم يمسح رأسه بالماء بكلتا يديه يبدأ بمقدم الرأس , ثم يردهما إلى قفاه , ثم يعود بهما إلى مقدم رأسه , مرة واحدة . ولا يمسح على العمامة إلا إذا كانت مشدودة , والأحوط أن يمسح على ناصيته مع العمامة .
– ثم يمسح أذنيه يضع سبابتيه في داخل خروق أذنيه , ويديرهما في معاطف أذنيه , ثم يمسح مؤخر أذينه بإبهاميه مرة واحدة .
– ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثاً اليمنى ثم اليسرى , والكعبان هما العظمان البارزان في جانبي الساق .
– ويخلل بين أصابع قدميه , ويستوعب عرقوبه بالغسل ولا يستعجل في الوضوء , فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : رجعنا مع رسول الله صلى اله عليه وسلم من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء في الطريق تعجل قوم عند العصر فتوضئوا وهم عجال فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء , فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم : (( ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء )) رواه البخاري ومسلم , وعن جابر قال : أخبرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى اله عليه وسلم فقال : (( ارجع فأحسن الوضوء )) فرجع ثم صلى .
فاتقوا الله عباد الله وأسبغوا وضوءكم .
– فإذا أكملت وضوءك يا عبد الله فقل : ((أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين )) فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من قال ذلك فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء .
– ثم صل ركعتين سنة الوضوء فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (( ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه و وجهه إلا وجبت له الجنة )) , فحسبكم بهذه الفضائل للوضوء . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين , والصلاة والسلام على أشرف المرسلين , سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد .
فأيها المسلمون عباد الله /
إن للوضوء مبطلات تبطله , ونواقض تنقضه , يكون معها المسلم على غير وضوء , فمن مبطلات الوضوء :
– زوال العقل بنوم أو جنون أو سكر أو إغماء , فإذا زال العقل بطل الوضوء , واستثنى بعض الأئمة كالشافعي رحمه الله نوم القاعد إذا مكن مقعدته من الأرض , وأما النعاس ومبادئ النوم فلا تبطل الوضوء.
– ومن مبطلات الوضوء خروج شيء من القبل أو الدبر غائطٍ أو بولٍ أو ريح أو حجر أو دود , ومن ذلك الرطوبة التي تخرج من فرج المرأة .
– ومن مبطلات الوضوء مس الفرج قبلاً أو دبراً لقوله صلى الله عليه وسلم : ((من مس فرجه فليتوضأ )) .
– ومن مبطلات الوضوء أكل لحم الجزور أي : لحم الإبل فإذا أكل المسلم لحم الإبل ناضجاً أو نيئاً بطل وضوءه ووجب عليه الوضوء إذا أراد الصلاة ونحوها مما يستوجب الوضوء لصحة الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ووضوحها وإحكامها .
– واختلف الأئمة في مس المرأة الأجنبية هل ينقض الوضوء ؟ والمرأة الأجنبية هي من يصح زواجك منها وتدخل في ذلك الزوجة , والراجح من حيث الدليل أن مس المرأة لا ينقض الوضوء ومن توضأ فهو أحوط .
أيها المسلمون عباد الله / وإن مما ننبه عليه :
– أنه يجب الوضوء لقراءة القرآن وحمله لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن حزم : (( لا تقرأ القرآن إلا وأنت طاهر )) .
– و أنه يستحب الوضوء عند النوم لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الراء : (( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة )) رواه مسلم .
– وأنه يستحب الوضوء لذكر الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه : (( إني كرهت أن أذكر الله على غير طهارة )) رواه أبو داود .
– وهكذا فإنه يستحب للمسلم أن يكون دائماً على وضوء وفي ذلك حماية له من الشيطان فإن الوضوء سلاح المسلم وعلامة الإيمان لقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )) , فالله الله عباد الله في الوضوء وإسباغ الوضوء والديمومة على الوضوء فإن في ذلك الأجر العظيم والخير الكثير .
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال : ((إن الله وملائكته يصلون على النبي …))