سلسلة ولأبين لكم 5 المغالاة في المهور

🔸المغالاة في المهور🔸

المغالاة في المهور أو غلاء المهور ظاهرة سيئة في مجتمعاتنا، وإنما كانت المغالاة في المهور ظاهرة سيئة؛ لأنها مخالفة لكتاب الله عز وجل، ومخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولما يترتب عليها من أمور سيئة، ولا شك أن كل مخالفة لشرع الله عز وجل فإنها تترتب عليها أمور سيئة وعواقب وخيمة.
🔸قال الله عز وجل في كتابه العزيز:
(وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [سورة النور: 32].
فقد أمرنا الله عز وجل في هذه الآية من كتابه العزيز بإنكاح الأيامى منا وهم غير المتزوجين؛ بل أمرنا عز وجل فيها كذلك بإنكاح الصالحين من العبيد والإماء وهم من تظهر عليه علامات الصلاح منهم، أمرنا الله عز وجل بإنكاح هؤلاء جميعا أمرا مطلقا شاملا لكل أحوالهم سواء كانوا أغنياء عندهم أموال يعطونها أو كانوا فقراء ليس عندهم شيء، ثم نص الله سبحانه على حال الفقر فقال جل جلاله: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه) وهذا وعد من الرب سبحانه وتعالى بإغناء الفقراء منهم، وفي هذا تسلية لمن يزوج الفقراء، فالفقير إذا تزوج سيأتيه الخير ويغنيه الله عز وجل من فضله، ولم يزل الناس يعرفون هذا، فالزواج أحد أسباب سعة الرزق، وأحد أسباب فتح أبواب الرزق، وينبغي أن نظل نذكر بهذه الحقيقة حتى لا يخاف الآباء وأولياء الأمور من تزويج بناتهم من الفقراء، فإن الخوف على البنات من المستقبل السيء هو أحد أسباب المغالاة في المهور.
🔸وقد حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على التخفيف والتيسير في المهور، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً ” رواه أحمد. فهذا خبر من الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم أن أعظم النساء بركة وكثرة خير في ذاتها وفي خلقها وفي عملها وفي تربيتها وفي كل شيء هي المرأة التي تكون أيسر مئونة وتكلفة في زواجها،
🔹- ومن أسباب تلك البركة الاستجابة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم في تيسير المهر.
🔹- ومن أسباب تلك البركة أن الرجل يعلم أنه أعطي درة لا تقدر بثمن فهي فوق الأثمان والمغالاة فيعرف لها قدرها، في حين أن المرأة التي غالوا في ثمنها ربما تعامل معها الرجل على أنها سلعة اشتراها بباهض الأثمان ويريد أن يرد ماله منها فيتعكر
بذلك صفو الحياة.
🔹- والمرأة حينما تكون أيسر مئونة تعلم أنها ليست سلعة مشتراة، وإنما هي أم بيت وربة أسرة وسكن زوج، وغير ذلك من الأسباب التي تجعل البركة في المرأة التي تكون أيسر مئونة ومهرا.

🔸وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : ” مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ “. فَقَالَ رَجُلٌ : زَوِّجْنِيهَا. قَالَ : ” أَعْطِهَا ثَوْبًا ” . قَالَ : لَا أَجِدُ. قَالَ : ” أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ ” . فَاعْتَلَّ لَهُ، فَقَالَ : ” مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ؟ ” قَالَ : كَذَا، وَكَذَا. قَالَ : ” فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ” . رواه البخاري ومسلم.
فهذا الحديث غاية في الدلالة على تخفيف المهر فقد طلب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ من الرجل أن يقدم ثوبا كمهر للمرأة، فأخبر أنه لا يجد ثوبا ولا يملك ثوبا، فطلب منه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أن يعطيها ولو خاتما من حديد، وليس من ذهب، فأخبر الرجل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أنه لا يملك شيئا حتى الخاتم من حديد ثم زوجه أياها بأن يعلمها ما يحفظ من القرآن.

🔸وقد طبق النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المبدأ وهو مبدأ التيسير في المئونة في الزواج وعدم المغالاة في المهور طبقه على نفسه وأهل بيته ليكون قدوة للناس بأبي هو وأمي،
فعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ رضي الله عنها: كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَنَشًّا، قَالَتْ : أَتَدْرِي مَا النَّشُّ ؟ قَالَ : قُلْتُ : لَا. قَالَتْ : نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ رواه مسلم.
🔸وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستدل بهذا في خطابه للناس فعَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ السُّلَمِيِّ قَالَ : خَطَبَنَا عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ : أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ ؛ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ، لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً رواه أبو داود.
إن المغالاة في المهور سبب رئيس في حرمان الشباب والشابات من الزواج الذي يعفهم عن الحرام، وعندما يحرم الشباب والشابات من الزواج الذي هو الطريق المشروع لتفريغ الشهوة يكونون عرضة لوساوس الشيطان، ولقمة سائغة للذين يتبعون الشهوات ويؤججونها في أجساد هؤلاء المساكين مما يسبب في انتشار الفاحشة والرذيلة، إن الذين يغالون في المهور هم أحد أسباب انتشار الفواحش في المجتمع سواء علموا ذلك أو جهلوه، ولو لم يكن من آثار المغالاة في المهور إلا ذلك لكفى في الزجر عنه.
وإن من أعظم أسباب المغالاة في المهور العادات السيئة التي أحدثها الناس وجعلوها كالطواغيت التي تعبد من دون الله عز وجل لا يستطيعون الانعتاق عنها ولا مخالفتها:
🔹- فمن تلك العادات عمل الزواج في صالات وقصور الأفراح بدلا عن عمله في البيوت وساحات البيوت.
🔹- ومن تلك العادات جلب المسارح والمغنين والمغنيات بدلا عن أهازيج الرجال، وأناشيد النساء الأقارب.
🔹- ومن تلك العادات السيئة التوسع في دعوة الناس للولائم.
🔹- ومن تلك العادات السيئة التوسع في هدايا الزوج للزوجة بدلا عن تركهما يجمعان حاجاتهما شيئا فشيئا بعد الزواج.
وغير ذلك من العادات السيئة التي تضطر أهل العروسين للكثير من الخسائر في الزواج مما يسبب في غلاء المهور وتأخر الزواج عند الكثير من الشباب.
فاتقوا الله أيها الآباء، واتقوا الله يا أولياء الأمور، واتقوا الله أيها المسلمون، ولنتعاون جميعا على القضاء على هذه الظاهرة السيئة ظاهرة المغالاة في المهور.
🖊أبو مجاهد
صالح بن محمد بن عبد الرحمن باكرمان.

 

زر الذهاب إلى الأعلى