تفسير سورة الفلق
☘تفسير سورة الفلق ☘
بسم الله الرحمن الرحيم
(قل) يا عبد الله ( أعوذ) ألتجئ وأحتمي ، وهذا الأمر بالاستعاذة يدل على أن الاستعاذة والاحتماء فيما لا يقدر عليه إلا الله عبادة ، والعبادة لا تكون إلا لله عز وجل ؛ لهذا أمر بأن تكون الاستعاذة به فقال:( برب) أي : بمالك وخالق ومدبر( الفلق) الصبح الذي ينفلق وينفتح بنوره من بين الظلام ، فالذي يأتي بالنور بعد الظلام يأتي باليسر بعد العسر والفرج بعد الكرب والعافية بعد المرض ، ورب الفلق هو الله عز وجل وحده (من شر ما خلق) أي : ألتجئ وأحتمي بالله عز وجل الذي هو رب الفلق من شر كل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى، وهذه استعاذة عامة من شر كل ذي شر . – ثم بعد الاستعاذة العامة خص الاستعاذة من ثلاثة شرور عظيمة فقال : ( ومن شر غاسق إذا وقب) هذه أول استعاذة خاصة بعد الاستعاذة العامة وهي الاستعاذة بالله عز وجل ( من شر غاسق ) والغاسق هو الليل ، والغسق الظلمة ، ومعنى (إذا وقب ) إذا دخل ، ولا شك أن الليل محل وزمان لأعظم الشرور إذا قارناه بالنهار ، فالشياطين تسرح وتمرح بالليل أكثر من النهار ، وشياطين الإنس من السرق والمفسدين والخمارين كذلك ، وكذلك هوام الأرض تكثر حركتها بالليل ، فجاءت هذه الاستعاذة الخاصة من شر الليل إذا أقبل بظلامه .وقال بعض المفسرين : الغاسق: القمر وهو آية الليل فلا اختلاف. -ثم جاءت الاستعاذة الخاصة الثانية في قوله : ( ومن شر النفاثات في العقد ) والنفاثات جمع نفاثة وأصل الكلمة ( نفاث) صيغة مبالغة من النفث وهو النفخ مع شيء من البزاق ، ثم دخلت عليها التاء التي تفيد زيادة المبالغة أو تفيد النقل من الوصفية إلى العلمية ، فليست التاء هنا للتأنيث، و( العقد) جمع عقدة وهي الربطة سواء كانت لشعر أو لخيط ونحو ذلك، والذي يكثر النفث في العقد هم السحرة والساحرات ، فالاستعاذة هنا هي استعاذة من شر السحرة والساحرات الذين ينفثون في العقد عند عقدهم للسحر ، وما أعظم شر السحرة والساحرات على الخلق . -ثم جاءت الاستعاذة الخاصة الثالثة ( ومن شر حاسد إذا حسد ) أي من شر الحاسد الذي يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ويتمنى زوال النعمة عنهم ، ( إذا حسد ) حين يقع منه الحسد . فالحسد هو تمني زوال النعمة ، وقد يصحب الحسد العين ، و( العين حق ) كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فتكون الاستعاذة كذلك من شر عائن إذا عان ، وشر العين عظيم ، وما أكثر ما يؤذى الناس بسبب العين . ففي هذه السورة العظيمة لجوء واحتماء بجناب الله عز وجل الذي يفلق النور في وسط الظلام من شر كل ذي شر عامة ومن شر ثلاثة شرور عظيمة وخطيرة وهي : شر الليل حين يقبل بظلامه فتقبل معه الشرور ، وشر السحرة والساحرات ، وشر الحسدة والعيانين. فالزم يا عبد الله الاستعاذة بهذه السورة في الصباح والمساء وعند النوم مستحضرا لمعانيها تنج بإذن الله من شر عظيم. أبو مجاهد صالح بن محمد باكرمان.