كلمة في أسامة بن لادن

كلمة في أسامة بن لادن

أجدني ميّالاً إلى أن أكتب كلمة عن أسامة بن لادن رحمه الله تعالى، مهما كان الخلاف معه، وهذا من العدل الذي أمرنا الله به في كتابه في مثل قوله تعالى: {وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9].

لقد اتصف هذا الرجل بصفات نادرة لا بد من التنويه بها حتى تبقى هذه الصفات في أجيال المسلمين، وفي مقابل ذلك فقد تبنى بعض الأفكار المخالفة للطريق السوي جعلته ينحرف عن الجادة في ذلك، ومع هذا وذاك فقد رحل الرجل خفيف الحمل من الدنيا، مقاتلاً لأعداء الله من الكفار، مقبلاً غير مدبر، فقتل فيما نحسبه شهيداً؛ لأن فقهاء الإسلام يقرون أن من قتل من المسلمين على يد كافر فهو شهيد، فهنيئاً له الشهادة التي طالما تمنيتها أبا عبد الله، ونسأل الله أن يغفر لنا ولك الزلة، ويعلي الدرجة، ويعفو ويكرم.

لقد كان أسامة بن لادن رحمه الله تعالى مجاهداً في سبيل الله من الطراز الأول.. جاهد بنفسه وماله في بلاد الأفغان حتى صار ملاذ الشباب العرب، وكان من الزهاد القلائل الذين أقبلت عليهم الدنيا فأدبروا عنها، ترك هناء الحياة والعيش الرغيد من أجل قضيته وأمته، وآثر حياة التقشف والمعاناة، وكان فيما نحسبه مخلصاً لله عز وجل تخرج الكلمات من قلبه لتجد سبيلها إلى القلوب، مع ما كان عليه من حياء ودماثة أخلاق ورقة طبع، هذا ما يظهر للملايين من خلال كلماته المرئية، نحسبه كذلك والله حسيبه.

ولعل أعظم ما وقع فيه أسامة بن لادن رحمه الله من خطأ هو مخالفته لطريق العلماء الذين عرفهم بالحرمين ونجد وهم أئمة هدى كابن باز والعثيمين رحمهما الله تعالى؛ ليتلقى علمه وأفكاره عن بعض المفكرين وبعض الدعاة الذين اتصل بهم في ساحة الجهاد في أفغانستان.

ولن أخوض كثيراً في التفاصيل غير أن من أبرز ذلك أصل التكفير لكل الحكام والجيوش والشرط الذي ذهب به بعيداً عن الجادة، ووسيلته للتغيير والتي كانت هي عمليات التفجير هنا وهناك لاسيما في جزيرة العرب انطلاقاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»، وأما أئمة العلم فقالوا: لم يفهم فهمه أي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بدءاً بأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ثم من جاء بعدهما إلى هذا اليوم؛ فلم يزل اليهود باليمن منذ كانوا!

وهنا تظهر الحاجة لفهم النصوص فلا يكفي مجرد حفظها، والنقاش في هذه القضايا طويل الذيل مضت عشر سنوات منه بين القاعدة ومخالفيها، غير أنه استجد اليوم شي جديد، وهو هذه الثورات العربية السلمية التي لم تهز عروش الطغاة المستبدين وحسب بل قوضتها من أصولها، حتى أن القاعدة وقفت ولهى حائرة، هذا الذي حدث؟ أيعقل أن تتهاوى هذه الأنظمة العتيدة كأعجاز النخل المنقعر في ربيع واحد أمام أجساد الشعوب العزل؟!

إن هذه الظاهرة -كما يقول بعض المحللين- تنسف مشروع القاعدة للتغيير من أصوله، ذلك أن مشروع القاعدة قائم على أساس استخدام القوة في التغيير، وقد دخلت القاعدة في معركة مع الأمة عسكريين ومدنيين، في حين أن المشروع الجديد للتغيير كان مشروعاً سلمياً وأساسه هو الالتحام مع الأمة، ولعل هذا كان أحد الأسباب التي دفعت ابن لادن رحمه الله ليبعث بندائه إلى المتأثرين به ليكفوا عن العمليات التي تذهب بأرواح المدنين.

وإذا صح أن ابن لادن رحمه الله كان قد خرج إلى مناطق القبائل الباكستانية قبل شهر أو أكثر ليتدارس مع بعض أهل الرأي قضية الثورات العربية؛ فإنه سيؤكد مدى الإرباك الذي أحدثه مشروع الثورات السلمية لمشروع القاعدة، ولعل في كلمة ابن لادن رحمه الله التي قالها قبل أسبوع من مقتله ما يوضح شيئاً من ذلك.

وعلى كل الأحوال فإننا ندعو كل المحبين والمتأثرين بالشيخ أسامة بن لادن رحمه الله أن يسيروا على درب الحق، وإن من درب الحق جهاد العدو المحتل لأرض المسلمين الذي لا خلاف فيه بين العلماء؛ كالجهاد في فلسطين وأفغانستان والعراق، وأما العمليات في أراضي المسلمين التي ليس فيها احتلال وعدو ظاهر مكشوف فليعيدوا النظر فيها، ولتكن على بالهم أهمية الالتحام مع الأمة، فإن كل مشروع ينفصل عن الأمة عسكريين ومدنين أو يصطدم معها لن يكتب له النجاح.

رحم الله أسامة بن لادن، ورحم الله كل مسلم، فمهما اختلفنا مع مسلم فلن نكون إلا في حده وشقه مقابل حد الكفار وشقهم. هذه عقيدتنا عليها نحيا وعليها نموت، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة:55].

زر الذهاب إلى الأعلى