حرمة دم المسلم
حرمة دم المسلم
نبرأ إلى الله عز وجل من هذه المجازر التي ترتكب في حق الشعب اليمني في صنعاء وتعز وغيرها من المدن, ونبرأ إلى الله عز وجل من قتل الأطفال الرضع والشيوخ الركّع, ونبرأ إلى الله عز وجل من مرتكبي هذه الجرائم الشنيعة, ولا شك أن مرتكبي هذه الجرائم مجرمون سفاحون سفاكون للدماء, مهما كانت الأسباب وتحت أي مبررات, فلا شيء يبرر قتل المسلمين, ولا شيء يبرر قتل الشعب الأعزل, ولست أشك أن مرتكبي هذه الجرائم سوف يعاقبون في الدنيا والآخرة ما لم يتوبوا قبل فوات الأوان. وإن مما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة حرمة دم المسلم, فحرمة دم المسلم في دين الإسلام مما لا يخفى على أحد من العرب والعجم والحضر والبدو والكبار والصغار, فلا عذر لأحد في انتهاك الدم الحرام؛ لأن تحريم ذلك من أوضح ما يكون في كتاب الله عز وجل وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما الآيات:
فيقول الله عز وجل في كتابه العزيز: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93].
فهذه الآية من أشد ما جاء في وعيد قاتل النفس المؤمنة, فقد توعد الله عز وجل في هذه الآية من يقتل مؤمنا متعمدا بخمسة أشياء:
الأول: أن جزاءه جهنم وبئس المصير.
والثاني: أنه يكون خالدا في جهنم, أي: أنه يمكث فيها طويلا والعياذ بالله!
والثالث: غضبِ الله عليه, فأي شيء بعد غضب الله؟!
والرابع: لعنة الله له وطرده من رحمته, فأي خير ينتظره بعد ذلك؟!
والخامس: أن الله عز وجل أعد له- مع ذلك كله – عذابا عظيما.
وقال الله عز وجل: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء:33].
فهذه آية أخرى من الآيات التي جاءت بالوعيد الشديد على من قتل مؤنا متعمدا, وقد اشتملت على أربع قضايا ظاهرة:
الأولى: تحريم قتل النفس المحرمة التي حرمها الله عز وجل إلا بالحق, ويدخل في ذلك النفس المؤمنة المسلمة والنفس المؤمّنة بذمة أو عهد أو أمان, ولا يستثنى من ذلك إلا ما استثناه الله بقوله: {إلا بالحق}، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في سنته؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِى، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ» [رواه البخاري ومسلم].
الثانية: أن الله عز وجل قد جعل في شرعه الشريف لولي المقتول سلطانا, وذلك السلطان هو حق المطالبة بدم القتيل, وحق المطالبة بالقصاص العادل, فهذا حق كفله الشرع لأولياء الدم.
الثالثة: نهي ولي الدم عن الإسراف في القتل, وذلك يكون بمجاوزة الحد عند القصاص بأخذ من ليس بمذنب بجريرة المذنب, ونحو ذلك, فلا يجوز لمن يحارب الظلم أن يقع في الظلم نفسه.
الرابعة: البشارة من الله عز وجل لأولياء المقتولين ظلما أنهم منصورون على خصومهم, طال الزمان أو قصر، ويصلح هنا التذكير بالحكمة المشهورة ” بشّر القاتل بالقتل ولو بعد حين “.
وأما الأحاديث فحسبنا حديثان:
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ. أَىُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَىُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَىُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا. فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ.. اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما: فَوَ الَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ! إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ: فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». [رواه البخاري].
وقوله: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ» [رواه الترمذي والنَسائي].
فليتق الله امرئ يؤمن بالله واليوم الآخر, وليحذر كل الحذر من مغبة سفك الدماء المحرمة.