ثورة تونس
انطلقت شرارة الثورة التونسية قبل نحو شهر ولم تكن تلك الشرارة سوى أجساد عزل غير أن الغضب الثائر جعل من تلك الأجساد العزل سيلاً جارفاً لا يقف أمامه شيء حتى رحل أمس بن علي مغادراً تونس، وصدق فيهم قول الشاعر:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة *** فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي *** ولا بد للقيد أن ينكسر
وأنا في الحقيقة لست ثوريا ولا ممن يؤيدون الثورات، بل مستمسك بالمنهج السلفي في التغيير وفي كل شيء، ولكنني أعتقد أن من المنهج السلفي كذلك أن ننظر إلى هذه الحوادث كسنة من سنن الله الكونية؛ فإن من سنن الله الكونية أنه (يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) وأن الظلم مرتعه وخيم لاسيما إذا كانت معه محادة للدين واستهانة بالمقدسات، ونبذ للشريعة، وربما ردة سافرة، وإذا وصل الحد إلى الكفر البواح فإن الشريعة تبيح الخروج على الحاكم الكافر عند القدرة على ذلك، وإذا صرفنا النظر عن ذلك، فإنه حتى في حالة عدم الخروج على الحاكم أو في حالة عدم القدرة على إزالة الكفر فإن الله عز وجل يقدر بقدره ما يزيل به الظلم ويضع حداً لتجاوز الظالمين قال الله عز وجل {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129] فنهاية الظالم قد تكون على يد ظالم آخر فإن قدر الله عز وجل قد يجيء متوافقاً مع ما شرع سبحانه وتعالى، وقد يجيء على خلاف الشرع فتحمد عاقبته لما يترتب عليه من حكمة الله عز وجل، وأقدار الله عز وجل محمودة دائماً من حيث هي فعل لله، فلله جل جلاله حكم لا يحصيها عد، وأما من حيث وقعها على الناس كأفعال للخلق فقد تذم وقد تحمد، وقد تذم من جهة وتحمد من جهة، ولذلك فإن نهاية الظالمين في حد ذاتها بصرف النظر عن شيء آخر محمودة وعادلة وهي نهاية حتمية في قدر الله عز وجل فكل ظالم لا بد له من نهاية ولا بقاء إلا للعدل والميزان فليت شعري لماذا لا يعتبر الظلمة من هذه الدروس الواقعية؟ وما أرحمك وأحكمك يارب تبقي للظلمة فرصة التوبة والأوبة بعد نهاية ظلمهم وغطرستهم! إنه رب كريم رحيم ولكن الخلق تعلقوا بالمادة وغفلوا عن اللجوء إلى جنات العلي العظيم فوكلهم الله إلى أنفسهم.