إلا من أتى الله بقلب سليم
إلا من أتى الله بقلب سليم
إن يوم القيامة هو يوم الخزي والندامة ، ولا مناص من ذلك اليوم فكلنا ميت وإلى الله المصير .
وفي ذلك اليوم يحاسب الله الخلائق وهو أسرع الحاسبين ، ولشدة هول ذلك اليوم استعاذ الأنبياء والصالحون بربهم من خزي يومئذٍ ، فهذا إبراهيم الخليل علية الصلاة والسلام يضرع إلى ربه عز وجل ويدعوه ويقول في دعائه ( وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )الشعراء: ٨٧ – ٨٩
فإذا كان الخليل إبراهيم علي الصلاة والسلام يخاف على نفسه الخزي يوم القيامة فكيف بمن دونه من الخلائق ؟ إننا لجديرون بالخوف من الخزي في ذلك اليوم العسير ونحن المذنبون المقصرون ، وإننا لجديرون بأن نعيش حياتنا كلها ونحن في حالت إشفاق مما يكون في ذلك اليوم ، والمشفقون فقط هم أهل النجاة يوم القيمة ولهذا أخبر الله عز وجل عن الأبرار من أهل الجنة أنهم يقولون يوم ( قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26)فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ) الطور: ٢٦ – ٢٨
فالإشفاق والخف من عذاب الله وخزي يوم القيامة هو الذي يحرك الإنسان ليدعو ويعمل من أجل النجاة ، والذي يأمن يغفل وفي الغفلة العطب والهلاك .
وفي ذلك اليوم العسير لا ينفع الإنسان ماله الذي جمع ولا ولده الذي كسبه ( مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ) المسد: ٢ ، بل لا ينفع في ذلك اليوم العمل الصالح وحده ولا ينجو من خزي يومئذ إلا من سعى طوال حياته في تنقية قلبه وتصحيحه من كل مرض وداء حتى صار قلبه سليما معافى وساطعا منقى .
( إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )سليم من الشرك الأكبر ومن الاعتقاد في غير الله وإرادة سواه ، سليم من الشرك الأصغر من الرياء والعجب والاحتياج للخلق والتذلل لهم والتعلق بهم . سليم من المعاصي القلبية والحقد والحسد وبغض المؤمنين والتكبر عليهم … ، سليم من أمراض الشبهات التي تجلب الشك والتردد ، ومن أمراض الشهوات التي تأسر القلب وتضعفه وتغلفه وتجلب له الريا الذي يعميه عن رؤية الحق والسعي فيه ، سليم من كل شي سوى الله وشرعه ومحابه .
والعمل في سبيل سلام القلب هو معركة حياة المؤمن مع الهوى والنفس والشيطان ومغريات الحياة وعوارض الفتنه ، وأول الطريق إلى الوصول إلى تلك الغاية هي اليقظة والانتباه لتلك المعركة ثم خوض المعركة بكل بسالة ، والاستعانة في ذلك ( بالصبر والصلاة ) فلتكن اليقظة والشغل الشاغل هي سلامة القلب حتى نوافي يوم القيامة بقلوب سليمة .