حقيقة الامتناع عن الشريعة المتواترة

حقيقة الامتناع عن الشريعة المتواترة

المشكلة في فهم حقيقة الامتناع عن الشريعة فهم فسروا الامتناع بالامتناع عن العمل ، والتطبيق والحقيقة أن مراد شيخ الإسلام به هو الامتناع عن قبول الشريعة المتواترة ، وقد فصل بيّن ذلك في أثناء كلامه عن الصلاة والإباء عنها في شرح العمدة وأن المقصود به الإباء عن الالتزام بها وقبولها بالإيجاب ، وكذلك فسر ذلك المعنى في الصارم المسلول في آخر كلامه عن الاستحلال في الرد على القاضي أبي يعلى وأن هذا الإباء وهو كإباء إبليس هو نوع من الاستحلال يقول صاحبه : لا أقبل الصلاة ..
وتفسير الامتناع عن الشريعة بمجرد ترك التطبيق وترك العمل يدخل به ماهو غير مكفر بإجماع المسلمين :
– فالمحاربون ( أهل الحرابة ) تنطبق عليهم مواصفات الغلاة في أنهم طائفة ممتنعة فهم طائفة وهم ممتنعون من جهة بمنعة السلاح وممتنعون من جهة عن تطبيق شرائع متواترة كحرمة أموال المسلمين وحرمة دمائهم ووجوب إقامة الحد على السارق والقاتل ، وإذا أتاهم جيش الوالي ليسلموا السرق والقتلة لامتنعوا وقاتلوا دون ذلك ، فهؤلاء يكفرون تحت هذا المكفر العصري الذي ابتدعه الغلاة ، مع أن المحاربين من أبناء المسلمين لا يكفرون بذلك بإجماع المسلمين كما نقل الإجماع في ذلك عدة من الأئمة كابن المنذر والجصاص في أحكام القرآن ، وآية الحرابة صريحة في ذلك فإنها قضت بقطع رجل المحارب ويده من خلاف ، وقضت بنفيه من الأرض وهذه ليست من عقوبات المرتد .
وقد فصَل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بين الطائفة الممتنعة وأهل الحرابة فصلا تاما في السياسة الشرعية .
-وكذلك من الصور التي تدخل في التكفير بهذا المكفر المبتدع على مذهب الغلاة القبائل المسلمة الجاهلة التي تعودت على القتل والثأر وإيواء المحدثين ، فهم طائفة وهم ممتنعون بمنعة السلاح وممتنعون عن تطبيق شرائع متواترة فهم إذا قتل منهم القتيل امتنعوا عن تسليمه لإقامة الحد عليه ، وهؤلاء لم يقل بتكفيرهم أحد من أئمة المسلمين وهم في طول التاريخ وعرضه ، وقد ذكرهم شيخ الإسلام صنفا مستقلا في السياسة الشرعية .
فهذا وغيره يدل دلالة ظاهرة أن المراد بالامتناع المكفر هو الامتناع عن إلتزام وقبول الشريعة لت مجرد تطبيقها .
والفرق بين الجاحد الخالص والممتنع الآبي هو أن الأول يجحد الوجوب بالكلية فلا يصدق أن الله عز وجل أوجب تلك الشريعة وأما الثاني فإنه يصدق ويعلم أن الله أوجبها ولكنه لا يقبلها هو في نفسه بالوجوب وهذا هو كفر إبليس ،
وقد تنبه السلف لهذه المسألة وفرقوا بين معصية الأبوين آدم عليه السلام وإبليس – كما بيّن ذلك سفيان بن عيينة وغيره – فآدم عليه السلام عصى – لم يطبق- ولم يكفر ، وإبليس الخبيث عصى وكفر ؛ لأن آدم عصى مشتهيا وإبليس عصى رادا غير قابل للأمر والوجوب .
وبقيت مسألة وهي أن مسألة ترك العمل والتطبيق في قضية الزكاة لا يقاس عليها ترك العمل والتطبيق في أي شريعة دونها ؛ لأن الزكاة من أركان الإسلام التي قام عليها بناؤه ،وأما ما دونها من الشرائع فليست كذلك .
أرجو أن أكون قد سلّطت بعض الضوء على مسألة الامتناع عن شريعة .
وأتمنى من إخواننا وأبنائنا أن لا يتعجلوا في فهم الأمور ، وأن لا يأخذوا بأفهام آحاد من الناس هنا أو هناك ، وأن يحسنوا ظنهم في العلماء فإنهم لا يتأخرون عن خوف وضعف وحب للدنيا كما يصور لهم ذلك بعض الناس ، وإنما يؤخرهم فهمهم وعلمهم العميق للإسلام ومسائل التكفير والقتال .
أبو مجاهد صالح باكرمان

زر الذهاب إلى الأعلى