أزمة اليمن إلى متى

أزمة اليمن إلى متى

لا زالت اليمن تعاني من أزمتها, وأزمتها قد ألقت جرانها في كل ساحة, وحطت رحالها في كل عرصة, وذلك من قبل بزوغ فجر ثورة الشباب, ثم بعد مجيئها اشتد أوارها, وجاش فُوارها. وما أزمتها إلا في نظامها, وما بليتها إلا من حكامها, فالنظام الحاكم فيها نظام ظالم مستبد, بدلا من أن يكون نظاما لحكم العباد والبلاد وفق الشرع المصون والنظام المأمون, لحراسة الدين وسياسة الدنيا, إذا به عصابة سمحت لزنادقة الصحافة – لا أحرارها – ليتطاولوا على الدين, ويستهزئوا بشريعة رب العالمين, وأما الدنيا فاستأثروا بها خالصة لهم من دون المؤمنين, وإذا بلوبي يلف خيوطه حول أعناق المساكين, ليمتص دماءهم ثم يتركهم جثثا هامدة لا حراك لها, ثم انتفخ جسد النظام الفاسد فصار غولاً له بطن هي التنور المستعر يأكل ولا يشبع, ولا يعطي لكنه يمنع, فأشقوا العباد, ونهبوا البلاد, {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة:64]. والفساد لا يصلحه الله كما قال جل في علاه:{إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81]، بل توعد الله المفسدين بقوله:{فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل:14]، وقال:{وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف:86]. مما يدل ويبشر أن عاقبة المفسدين دائما تكون وخيمة, ونهايتهم أليمة. وليس في القرآن آية فيها وعيد على الظالمين وتسلية للمظلومين كقوله تعالى:{وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [إبراهيم:42]، فالرب جل جلاله ليس بغافل عن إجرام الظالمين إنما كما قال عز وجل:{إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا} [آل عمران:178] ثم إذا حان أخْذهم أخَذهم الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر, قال سبحانه وتعالى:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102].

وإذا علم المظلوم أن ربه ليس بغافل عن ظالمه تسلت نفسه, وانشرح صدره, وأيقن قلبه أن الله سبحانه سينصفه من ظالمه ولا بد؛ لأنه العدل سبحانه. ليس هذا حسب؛ بل إن الله عز وجل يمن على المظلومين الصابرين المحتسبين بأن يمكنهم في الأرض بعد أن ينصرهم على ذلك الظالم ثم يورثهم ملكه, قال عز وجل:{ {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:5-6].

فالإمامة والتمكين والاستخلاف في الأرض إنما هي بمحض إرادة الله عز وجل, فالذين يبتغونها ممن سوى الله لا يحضون بها, قال الله عز وجل:{أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} [النساء:139]. وهذا من أسباب تأخر النصر.

ولا تكون الإمامة والتمكين والاستخلاف إلا للذين استضعفوا في الأرض, أما حين يكون خصوم الظالم هم من أهل الاستكبار في الأرض, والخصومة في الدنيا, فإن الله يقضي للأخف ظلما بعد أن تشتد على الطائفتين, وهذا من أسباب تأخر النصر.

فأزمة اليمن لا بد إلى انجلاء, ومحنته لا ريب إلى انتهاء, فمهما احلولك الظلام فإن إثره فجر يطلع, ومهما اشتدت الحنادس فإن بعدها شمس تشرق, ثم تتبدد خيوط الظلام بإشراقة النور, لتنكفئ الخفافيش إلى سراديبها, وتعربد الأسد في سوحها. وهذه هي سنة الله في الحياة؛ فبعد الليل نهار, وبعد الكرب فرج, وبعد العسر يسر, قال الله عز وجل:{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5-6]. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ” لن يغلب عسر يسرين ” وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً». ولكن لا بد من تمخض الاعتماد على الله وحده, وابتغاء مرضاته, والدعوة إلى تحكيم شريعته, وتميز المستضعفين عن أهل الاستكبار فـ«إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم» كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم, وبعدها فليبشروا بقول الله عز وجل:{أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214].

زر الذهاب إلى الأعلى