هدم القباب
بسم الله الرحمن الرحيم
البناء على القبور ليس شركا في ذاته ولكنه ذريعة لتعظيم أصحاب القبور ، وذريعة للتخلف والجهل والتعلق بالمقبورين، والتعظيم ذريعة للشرك ، فالبناء على القبور ذريعة لذريعة الشرك فهو ذريعة الذريعة ، ومثل هذا يختلف في حكمه الفقهاء بين التحريم والكراهة .
– وتسوية القبور سنة نبوية ظاهرة لحديث أبي الهياج الأسدي رحمه الله قال: ﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ رضي الله عنه : ﺃﻻ ﺃﺑﻌﺜﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺑﻌﺜﻨﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وآله ﻭﺳﻠﻢ؟ « ﺃﻥ ﻻ ﺗﺪﻉ ﺗﻤﺜﺎﻻ ﺇﻻ ﻃﻤﺴﺘﻪ ﻭﻻ ﻗﺒﺮا ﻣﺸﺮﻓﺎ ﺇﻻ ﺳﻮﻳﺘﻪ» رواه مسلم .
ولكن القضية في كيفية التسوية ووسيلتها ووقتها بحيث لا تؤدي التسوية إلى ما هو أسوأ .
– والبناء على القبور في الحكم عليه تفصيل : فإن كان البناء في مكان مسبل غير مملوك فإنه يشرع إزالته ، وإن كان في مملوك ففيه خلاف .
قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه ” الأم ” : ” وَقَدْ رَأَيْت مِنْ الْوُلَاةِ مَنْ يَهْدِمَ بِمَكَّةَ مَا يُبْنَى فِيهَا فَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ يَعِيبُونَ ذَلِكَ :
– فَإِنْ كَانَتْ الْقُبُورُ فِي الْأَرْضِ يَمْلِكُهَا الْمَوْتَى فِي حَيَاتِهِمْ أَوْ وَرَثَتُهُمْ بَعْدَهُمْ لَمْ يُهْدَمْ شَيْءٌ أَنْ يُبْنَى مِنْهَا .
– وَإِنَّمَا يُهْدَمُ إنْ هُدِمَ مَا لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ فَهَدْمُهُ لِئَلَّا يُحْجَرَ عَلَى النَّاسِ مَوْضِعُ الْقَبْرِ فَلَا يُدْفَنُ فِيهِ أَحَدٌ فَيَضِيقُ ذَلِكَ بِالنَّاس ” .
– إنكار المنكر له قواعد وشروط فمن شرط إنكار المنكر اعتبار المآلات والعواقب وأن لا يؤدي إلى منكر أعظم منه ، وهدم القباب في ظل الفراغ الأمني وعدم الاستقرار وبأسلوب استفزازي يؤدي إلى التعصب للبدع والشركيات ممن قد تركها وهذا هو عين ما ينهى عنه ، وقد يؤدي إلى إعادة بنائها بشكل أعظم بعد الاستقرار ؛ لأن من كان قائما عليها تأخذه العزة بالإثم ويستغل المبتدعة ذلك .
فترك هذه القباب تنقرض شيئا فشيئا مع فشو العلم وتحضر الناس ونبذهم للخرافة أفضل للتوحيد والسنة من هدمها الذي يستفز النفوس ويعيد تعصبها للقباب والبدع والشركيات .
والشيء الذي يجب منعه وعدم السكوت عنه هو أفعال الناس الشركية والبدعية عند القبور ، فهذا هو الذي يجب إنكاره ؛ لأنه محرم لذاته ومنكر في نفسه .
– والمستفز في الأمر في هدم القباب هو تفجيرها بالمتفجرات الحديثة التي لا تراعى فيها حرمة لحي ولا لميت ؛ فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن القعود على القبور والمشي بالنعال بين القبور سواء كان ذلك خاصا بالنعال السبتية أو عاما في كل النعال ، فالحاصل هو النهي عن هذه الأذية القليلة فكيف بالأذية العظيمة التي تحدث بهز الأرض بأجمعها بحيث يؤذى بذلك الحي والميت ، والغاية لا تبرر الوسيلة في ديننا الحنيف ، وإنما ذلك هو دين وطريق ومذهب ميكافيللي وزمرته .
– إن إقامة الحق وتحكيم الشريعة يحتاج إلى بصيرة وصبر حتى يتقبل الخلق ذلك بحب وخضوع ، ولابد من معرفة بالنفوس ومعالجة لها بالتي هي أحسن .
– بصرف النظر عن الطريقة التي سويت بها القبور أو هدمت بها القباب فإن الذي نوصي به أهلنا وأبناءنا أن لا تأخذهم العزة بالإثم ، وأن يعتبروا بالنهاية ، فتسوية القبور سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهدم القباب في غير مكان مملوك كذلك ، وهي المتناسبة مع مذهب إمامنا الشافعي رحمه الله ومذاهب إخوانه من الأئمة المتبوعين ، فلنا السنة والصفاء وقطع ذرائع الشرك ، والواجب علينا المحافظة على النقاء ، والمحافظة على السنة وعدم تكرار سبل الخرافة والجهل لتعود إلينا .
والله أعلم .
أبو مجاهد صالح بن محمد باكرمان .