السلفية … مرحلة مباركة ومنهج مسدد وحركة دعوية مجددة
السلفية … مرحلة مباركة ومنهج مسدد وحركة دعوية مجددة
(السلفية) لفظ سلس الحروف ، ومعنى عميق الغور، ومصطلح شديد التجاذب ،وحسب (السلفية) اليوم أنها شغلت بال العلماء والمفكرين وعموم المثقفين ، فلسان حالها يقول كما قال المتنبي :
أنام ملأ جفوني عن شواردها *** ويسهر الناس جراها ويختصم
غير أن الفرق بينها وبين شعر المتنبي أن الغموض الذي يكتنفها إنما حصل من جراء القرَأَة لها والمحللين لمعناها والمنتسبين لاسمها، وليس هو غموض في ذاتها ، فهي من الوضوح بمكان.
إن (السلفية) بلا شك نسبة للسلف ،و(سَلَف) في لغة العرب ولغة الكتاب والسنة بمعنى (تقدم) ، فالسف هم من تقدم، لكن اللفظ خاص في عرف العلماء بـ (السلف الصالح) من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأتباعهم، وهؤلاء هم أصحاب القرون المفضلة .
و(السلفية) كمصطلح يطلق بإزاء ثلاثة معان :
الأول : مرحلة زمنية مباركة (السلف الصالح).
والثاني : منهج مسدد وهو منهج السلف الصالح .
والثالث : الحركة الدعوية المجددة لمنهج السلف الصالح .
السلفية مرحلة زمنية مباركة :
تطلق (السلفية) بمعنى (السلف الصالح) أهل القرون الثلاثة المفضلة , و(السلفية) بهذا المعنى مرحلة زمنيه مباركه لا تتكرر .
قال الله عز وجل ))والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه , وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم)) [التوبة :100] فلفظ (السابقون) في الآية السابقة وضع بإزائه لفظ (السلف) في اصطلاح العلماء .
وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة قال : )ثم يتخلّف من بعدهم خلْف تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ) رواه البخاري ومسلم.
فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم قسم الناس في هذا الحديث إلى قسمين:
القسم الأول : القرون الثلاثة الأولى الذين وصفهم بأنهم (خير الناس), وحسبهم هذا فضلا فهم القرون المفضلة , وخيرهم قرن النبي صلى الله عليه وسلم وهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
والقسم الثاني :هم الخلف الذين يتخلفون من بعدهم , واللفظ المقابل لـ (الخلف) هو (السلف) فلذلك سمي أهل القرون الثلاثة المفضلة بـ ( السلف الصالح ) .
السلفية منهج مسدد :
وتطلق السلفية ويراد بها المنهج المسدد المعصوم الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه (السلف الصالح) , وفهمهم وطريقتهم التي تلقوها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقابل المناهج والمسالك التي انحرفت عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم .
فالسلفية هنا هي السنة والجماعة وما كان عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام ، وهي الإسلام المحض الصافي المصفى , والخط الأصيل الذي بقي متمسكا بذلك الإسلام المحض .
ولا شك أن منهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه الكرام منهج مسدد معصوم يجب على الأمة اتباعه , قال الله عز وجل : ((ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ))[ النساء : 115]. ولا ريب أن أولى الناس بالدخول في وصف (المؤمنين) هم الصحابة.
وإنه لمن المعلوم من الدين بالضرورة أن الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو الإسلام المحض الصافي المصفى لا يزال باقيا إلى يوم الدين ؛ ذلك أن الله عز وجل قد جعل الإسلام المحض الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو الدين الذي لا يقبل سواه , فقال جل جلاله : (( إن الدين عند الله الإسلام )) [آل عمران :19] . وتكفل الله عز وجل بحفظ الذكر فقال : (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ))[ الحجر :9]. والذكر هو القرآن , وحفظ الله للذكر ليس حفظا لألفاظه دون معانيه ؛ بل هو حفظ تام لألفاظه ومعانيه ؛ لأن التحريف فيما سواه يدخل على اللفظ والمعنى , فصيانته وحفظه لا بد أن يشمل اللفظ والمعنى . ومن تمام حفظه حفظ السنة الشارحة له , وقد هيأ الله عز وجل للسنة جهابذة أهل الحديث فألهمهم وضع أعظم منهج للتحقق من صحة النقل , ودفعهم ليذلوا كل غال ورخيص من أجل التحقق من صحة ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم .
و(السلفية) بهذا المعنى ليست مرحلة زمنية انقضت وانتهت ؛ بل هي منهج الحق المستمر , وطريق الخير الماضي , وصراط الذين أنعم الله عليهم إلى يوم الدين .
مع أن حدوث الاختلاف والافتراق في هذه الأمة واقع لا محالة , كما دل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والواقع الذي سجله التاريخ :
قال الله عز وجل : (( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ))[هود:119].
وقال الله عز وجل : (( فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلافهم و خضتم كالذي خاضوا )) [التوبة : ].
فأخبر الله عز وجل أن هذه الأمة ستخوض فيما خاض فيه من كان قبلها .
وفي الحديث الشريف عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك )) رواه مسلم .
فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم بين في هذا الحديث أن طائفة من أمته تظل متمسكة بالحق ظاهرة به ، وأن ثمة من يخذلها , وإنما يخذلك من هو معك وفي صفك غير أن هذا الخذلان عن المناصرة , وتركها تصارع الباطل بمفردها , وتتحمل عبء الدفاع عن الحق وحدها غير أن ذلك كله لا يضرها عن أن تستمسك بالحق وتظهره وتعلن به .
وهذا يدل على أن هذه الأمة ستفترق ولن تكون كلها على الحق المبين ، وأن طائفة من حملة العلم لا تزال على الإسلام المحض الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، حتى يأتي أمر الله وقدره بزوال الإسلام من الدنيا ووقوع الواقعة .
وهذه الطائفة التي على الحق لنا أن نسميهم أهل الإسلام المحض لأن غيرهم من أهل الإسلام لا يخرجون عن الإسلام بمخالفتهم لهم لكن إسلامهم و ما هم عليه فيه من مخالفة لطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم . ولنا أن نسميهم أهل السنة و الجماعة لأنهم تمسكوا بالسنة واجتمعوا على ذلك .
وفي الحديث عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم : ( لَيَأْتِيَنَّ على أُمَّتِي ما أتى على بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حتى إن كان منهم من أتى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ في أُمَّتِي من يَصْنَعُ ذلك , وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ على ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي على ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كلهم في النَّارِ إلا مِلَّةً وَاحِدَةً ) قالوا: وَمَنْ هِيَ يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قال: ( ما أنا عليه وَأَصْحَابِي ) رواه الترمذي والحاكم والضياء في المختارة وغيرهم . فدل هذا الحديث على أن ثمة فرقة ناجية من بين فرق هذه الأمة تنجو في الدنيا من الضلال وفي الآخرة من دخول النار ,وهي ( من كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ) وفي روايات أخرى (هم الجماعة ) فمن هنا سميت الفرقة الناجية بـ(أهل السنة والجماعة).
وقد اسشكل بعضهم هذا الحديث من حيث المعنى ذلك أن الله عز وجل قد جعل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلها أمة مصطفاة فقال جل جلاله : (( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ))[فاطر:32]. فهذه الأمة – أمة الإجابة – كلها أمة مصطفاة وإن اختلفت درجات أهلها , ومهما كان فيها من العصاة والمنحرفين ((ذلك هو الفضل الكبير)) لهذه الأمة ولنبيها محمد صلى الله عليه وسلم . وهذا حق لا ريب فيه .
ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال – فيما رواه عنه عبد اللَّهِ بن مسعود – : ( أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْنَا نعم قال أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْنَا نعم قال أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْنَا نعم قال وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيده إني لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ وما أَنْتُمْ في أَهْلِ الشِّرْكِ إلا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ في جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ أو كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ في جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَحْمَرِ) رواه البخاري ومسلم .
والحقيقة أنه لا تعارض بين حديث الافتراق وبين آية الاصطفاء وحديث البشارة لهذه الأمة أن تكون نصف أهل الجنة و إنما حدث ذلك الإشكال من جراء الفهم الخاطئ للحديث ، ويزول هذا الإشكال بمعرفة ثلاثة أشياء :
الأول : أنه لا يلزم من افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة أن تكون هذه الفرق متساوية العدد أو نحو ذلك فهذا شيء لا يدل عليه الحديث ؛ بل الحق الذي قاله العلماء وجاءت به بعض الروايات أن الفرقة الناجية هي (السواد الأعظم) . فالفرقة الناجية أكثر بعددها من كل الطوائف الضالة المنحرفة ؛ لأن أهل الانحراف والضلال يعدون بالمئات والألوف فمجموعهم لا يساوي شيئا في هذه الأمة .
والثاني : أن الحكم على تلك الطوائف بالنار هو من الوعيد والوعيد لا يلزم أن يحِق في حق المسلم المبتدع أو المذنب ؛ بل قد يتخلف ذلك الوعيد بمشيئة الله عز وجل لقول الله تعالى : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) [النساء : 48].
والثالث : أن المسلم المبتدع والفاسق حتى لو دخل النار فإنه لا يخلد فيها فمصيره إلى الجنة, وبهذا تعلم أن مصير تلك الفرق كلها إلى الجنة في نهاية المطاف ، وبهذا يكون أهل الإسلام أمة محمد صلى الله عليه وسلم نصف أهل الجنة .
فنحن لسنا في حاجة إلى تضعيف الحديث ولكنا في حاجة إلى فهمه فهما صحيحا وفق النصوص الأخرى والمعطيات الواقعة.
فالاختلاف والافتراق في هذه الأمة قد دل عليه القرآن والأحاديث المتواترة والواقع الملموس فأهل السنة والخوارج والمعتزلة والشيعة دلائل قطعية على وجود الافتراق بصرف النظر عن عدد تلك الفرق , وهؤلاء كلهم أهل إسلام مهما خالف بعضهم الصواب وانحرف عن الجادة.
وعن الْعِرْبَاضُ ين سارية رضي الله عنه قال : صلى بِنَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ منها الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ منها الْقُلُوبُ , فقال قَائِلٌ : يا رَسُولَ اللَّهِ , كَأَنَّ هذه مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ , فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا ؟ فقال: ( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ , وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا , فإنه من يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا , فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ , تَمَسَّكُوا بها وَعَضُّوا عليها بِالنَّوَاجِذِ , وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فإن كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
وهذا الحديث صريح في أنه سيقع اختلاف في هذه الأمة , وأن المخرج من ذله الاختلاف هو التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده , والحذر من الوقوع في المحدثات في الدين فإنها ضلالات تضل الناس عن التمسك بالطريق المستقيم . وهذا المخرج هو (السلفية ).
فإذا قال قائل : فلماذا لا تكتفون باسم (الإسلام) ولا تقنعون بوصف (المسلمين) ؟ فالجواب : أن الإسلام له أصل وله كمال وكل من جاء بأصله فقد جاء بإسلام وهو مسلم من جملة المسلمين ,وحصول الاختلاف وحدوث الافتراق والأخذ ببعض تعاليم الإسلام وترك بعضها قدر محتوم على هذه الأمة كما بينا ، وبعد حدوث الاختلاف والافتراق لابد للحق المحض أن يتميز عما دونه باسم ,ويفترق عما سواه برسم , فكانت تسميته بالسنة والجماعة ومنهج السلف الصالح و(السلفية) , وقد استلهمت تلك الأسماء من نصوص الكتاب والسنة وسبق ذكر جملة منها .
فهذا هو معنى (السلفية) كمنهج موروث ومسلك مأثور . و(السلفية) بهذا المعنى مطلب كل مسلم , وغاية مرام كل باحث عن الحقيقة , ويجب الثبات عليها , والتمسك بها , ولا يجوز نقدها بحال , ولا التعرض لها بمقال ؛ بل الواجب على جميع المسلمين هو الدفاع عنها والذود عن أصولها ، وبذل الغالي والرخيص في سبيل نشرها.
السلفية حركة دعوية مجددة :
وتطلق (السلفية) ويراد بها حركة دعوية مجددة أو اتجاه دعوي مجدد يدعو المسلمين إلى التمسك بالكتاب والسنة وفهمهما وفق فهم السلف الصالح , ويضمن بذلك السعادة للأمة في الدارين , على أساس مقولة : لا يصلح أمر آخر هذه الأمة بما صلح به أمر أولها .
لقد قرأت طائفة من أئمة الإسلام النصوص القاطعة بافتراق أهل الإسلام , وقرأوا النصوص القاطعة ببقاء طائفة مستمسكة بالحق الخالص والإسلام المحض الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه , وتيقنوا أن طريق النجاة يكمن في التمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه (السلف الصالح) , وبحثوا عما يضمن لهم المضي على ذلك المنهج والثبات عليه فوجدوا أن ضمان ذلك يكمن في شيئين اثنين وهما :
1 – سلامة مصادر التلقي : وذلك بالتمسك بالمصادر التي كان الرعيل الأول . وأساسها الكتاب والسنة , وإذا كان القرآن محفوظ بحفظ الله عز وجل له فإن الحديث بحاجة إلى غربلة وتحقيق , ومن هنا نشأت علوم الحديث , وعني أهل السنة بعلوم الحديث أيما عناية.
2 – سلامة منهج الاستدلال والفهم :فلابد من فهم نصوص الكتاب والسنة وفق فهم السلف الصالح لأمور منها :
أ – أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حث على التمسك بسنته وهديهم عند حدوث الاختلاف (خير الناس قرني)( ما أنا عليه اليوم وأصحابي) (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي).
ب – لأنهم قد تميزوا عمن سواهم بمميزات في العلم والعمل , فمن ذلك :
– صفاء قلوبهم وتجردهم التام عن الهوى .
– فطرة عقولهم وسلامتها من اللوثات الفكرية .
– تمام معرفتهم باللغة العربية , فهم أهلها الحقيقيون .
– تمام معرفتهم بالقرآن الذي تلقوا معانيه عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم , وفهموه في حياته .
– معرفتهم التامة بالسنة التي تلقوها مباشرة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
– معرفتهم بأسباب نزول القرآن وحوادث أقضية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
– معرفتهم بقواعد الإسلام وأصوله من خلال تلمذتهم على يد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ج – أنه من المستحيل شرعا أن يمضي خير القرون وهم غافلون غائبون عن فهم شيء من النصوص الدينية مما يتعلق به التكليف الشرعي في العلم أو العمل وهم خير القرون.
د – أنه من المستحيل شرعا أن لا ينقل إلينا فهم شيء من النصوص ؛ لأن ذلك يستلزم ضياع شيء من الدين وعدم حفظه وذلك مخالف لقوله تعالى : ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ))[ الحجر:9].
لهذه الاعتبارات وغيرها ظهرت حركة ” أصحاب الحديث ” كحركة تجديدية جاعلة أساس دعوتها هو ” التمسك بالكتاب والسنة (مصادر التلقي) على فهم السلف الصالح( منهج الاستدلال)”. وقد درج أئمة أهل السنة على وضع كتاب في مؤلفاتهم لاسيما في العقائد تحت عنوان (الاعتصام بالكتاب والسنة ) , فأساس هذه الحركة هي حركة أصحاب الحديث التي توجت بظهور الإمامين الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى , , ثم ظهرت هذه الحركة في هذا العصر باسم (الدعوة السلفية) , فـ(حركة أصحاب الحديث) قديما و(السلفيه) حديثا أرادت لنفسها أن تكون الحارس الأمين على الإسلام المحض الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم , بحفظ المصادر (تحقيق الحديث) , وضبط أصول الفهم . ولقد كان لهذه الطائفة من حيث الجملة ما أرادت , غير أن في وسط هذه الطائفة اختلاف ناتج عن ثبوت النص أو فهمه , واجتهادات خارجة عن طريق السلف , وإن كانت تروم منهج السلف , وعلى هذا الأساس فإن(أصحاب الحديث) و(السلفية) كدعوة وحركة هي حركة اجتهادية ليست معصومة بمجرد انتسابها للسلف ؛ بل هي قابلة للخطأ , ومتقبلة للنقد والنقد الذاتي , ولا مناص لحَمَلَتها من إجراء المراجعات لا في أساس انطلاقها , وأصل قيامها ؛ بل في الاجتهادات التي قد يقع فيها الخطأ من جهة تصحيح حديث ضعيف , أو فهم النص فهما خاطئا ليس كما فهمه السلف , أو من جهة الخطأ في تنزيل النصوص عل الوقائع .
وعلى هذا الأساس فالواجب أن ننظر إلى السلفية من ثلاث زوايا مختلفة :
– فننظر إلى (السلفية المرحلة) أنها محط النظر وموضع القدوة , ومحل التطلع .
– وننظر إلى (السلفية المنهج) أنها أساس الإسلام , ومحل التقديس ونهاية المطلب .
– وننظر إلى (السلفية الحركة) أنها دعوة الصدق, وتيار النقاء , ولكنها ليست معصومة في أفرادها , ولا في اجتهاداتها فهي قابلة للخطأ , وخاضعة للنقد.
لكن الذي لا نقبله مطلقا هو التحامل على هذه الدعوة وعلى حملتها . ومع ذلك فأظن أن الدعوة (السلفية) بحاجة ماسة للظهور والعلن , وبيان أصولها للعالم , ورفض كل دخيل عليها , والبدء بانطلاقة جديدة نحو مستقبل مشرق .
أبو مجاهد صالح بن محمد بن عبد الرحمن باكرمان