خطبة صنفان من الناس مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد:
فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي نبينا محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار(يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)(ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)(يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا *يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
أيها المسلمون عباد الله :ذكر الله عز وجل في كتابه العزيز صورتين متفائلين لصنفين مختلفين من الناس صورة سوداء معتمة قبيحة وصورة بيضاء مشرقة حسنة :
1ـأما الصورة الأولى فهي صورة أهل الشقاق والنفاق أهل الكذب والدجل الذين لا هم لهم إلا الدنيا
2ـأما الصورة الثانية :فهي صورة أهل الخير والإيمان وأهل الصدق والصلاح الذين أرادوا الله عز وجل والدار الآخرة ولاهم لهم إلا مرضاة الله عز وجل قال الله في كتابه العزيز :أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام *وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد*وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد*ومن الناس من يشرس نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد) هاتان صورتان متقابلتان لصنفين متقابلين ذكرها الله عز وجل في كتابه العزيز:
فالصنف الأول :هم أهل الشقاق والنفاق الذين يحسنون القول ولا يحسنون الفعل بل الذين يسيئون الفعل ولا هم لهم إلا الدنيا قال الله فيهم (ومن الناس يعجبك قوله في الحياة الدنيا …الآيات )قال المفسرون أو بعض المفسرين:نزلت هذه الآيات في الأخنس بن شريط من مشركي أهل مكة أظهر الإسلام وجاء إلا النبي صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه وأظهر الكلام الحسن ثم ارتد مشركا وعدا على أموال أهل المدينة وعلى نسل إبلهم وأنعامهم فأفسدها وأهلكها ولحق بمكة هذا قول وقال بعض أهل العلم :لا يصح لأنه لا يصح أن الأخنس أسلم وإنما مات مشركا وقال طائفة من المفسرين :نزلت في بعض المنافقين في المجتمع المسلم)وهو الأصح وأيا ما كان فالآية نزلت لتعم بلفظها كل من يحسن القول ولا يحسن في الفعل والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (ومن الناس)صنف من الناس ولم يذكر الله عز وجل أسماء هؤلاء الصنف على القاعدة الغالبة في القرآن بعدم ذكر الأسماء ومن أجل أن تكون الصورة عامة لتعم كل مكان وزمان (ومن الناس من يعجبك) والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل من يصح له الخطاب إلى يوم القيامة فالصورة متكررة (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) يحسن القول ويحسن التعبير ويحسن الكلام والخطاب وينمق العبارات إلى حد الإعجاب وإثارة الإعجاب , خطابه متميز يجذب العقول ويؤثر في النفوس وينال إعجابها (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا)يعجبك قوله ولا يتورع على أن يكذب وأن يعد ويعاهد إن كان يعلم أنه لا يقدر على وفاء, وإن كان يبيت النية أن لا يفي بالوعود والعهود ليكمل الصورة ويحسن القول ويخدع الناس مكرا ومكيده , يعجبك قوله في الحياة الدنيا كثير من الناس يحسن القول وإمعانا في المكر وإيغالا في المكيدة , (ويشهد الله على ما في قلبه) ويقول يشهد الله على أنني صادق ويعلم الله على أن في قلبي الصدق والحب والخير (ويشهد الله على ما في قلبه) إمعانا في الكذب إمعانا في المكر إمعانا في المكيدة (وهو ألد الخصام)أشد الناس خصومة وأكثرهم جدلا وأقولهم لسانا وأحسنهم مقالا هذا هو ميزانه الذي يجيد فيه , الذي يسرح فيه ويمرح , الكلام المنمق والعبارات المحسنة والوعود الكاذبة ولكن فعله مخالف لقوله (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام )هذا القول هذا الإعلام هذا الخطاب وأما الفعل فقال الله عز وجل فيه عنه:(وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل …)إذا تولى عنه إذا ذهب بعد خطابه وبعد كلامه وبعد وعده وبعد قوله وبعد إشهاد الله على صدق نيته وحسن غايته , إذا تولى سعى في الأرض وتحرك في الأرض وانطلق في الأرض ليفسد فيها , عمله هو الإفساد (ويهلك الحرث )ويهلك الزرع ويهلك ما يقتات عليه الناس ويهلك أموال الناس ويهلك أعمال الناس (ويهلك الحرث والنسل )يهلك النسل وهو ما تناسل من الحيوان والإنسان يقتل الحيوان والإنسان (والله لا يحب الفساد) يهلك الحرث والنسل ليس لها صورة واحدة إنما تجمع كل صورة للإفساد والفساد وما أكثر ما يدخل تحت هذه الصورة الجامعة من إهلاك الحرث والنسل من إهلاك المال والنفس وفي هذا الزمان وفي هذه البلاد صور كثيرة من الفساد وإهلاك الحرث والنسل فدخول الجيش إلى المدينة يدخل في هذه الصورة ليهلك الحرث والنسل يهلك أموال الناس ويهلك ما عمر الناس ويقطع أعمال الناس ويقتل الأنفس البريئة ويدخل في هذه الصورة التخابر مع العدو الكافر ليحلق بطائراته على حمى المسلمين ويصب جام غضبه على أموال المسلمين وأنفسهم ويدخل في هذه الصورة الاغتيالات المتنوعة التي تقتل الأنفس البريئة وتيتم الأطفال وترمل النساء ويدخل في هذه الصورة الذين قطعوا الطريق وخط الناس وما أشبه ذلك ويدخل في هذه الصورة حمل السلاح في المظاهرات وقطع طرق الناس وإغلاق الطريق عليهم وقطع معاشهم وأعمالهم كل تلك الصور وغيرها تدخل في هذه الصورة في إهلاك الحرث والنسل
( والله لا يحب الفساد) الله سبحانه وتعالى رب العباد يخبرنا بأنه لا يحب الفساد بأي صورة كان لا يحب الفساد من أي صنف كان , لا يحب الفساد لأي غاية كانت والغاية لا تبرر الوسيلة والله لا يحب الفساد وإذا كان الله لا يحب الفساد فهو يبغضه وإذا كان الله لا يحب الفساد فإنه يقصم صاحبه ولا يوفق صاحبه , فالمفسدون لا يفلحون ولا ينجحون ولا يصلون إلى غاية .
ثم قال الله عز وجل عن هذا المفسد في عمله المحسن بقوله أخبر الله عنه أنه إذا نصح بترك الفساد في الأرض تكبر وترفع ولم يقبل النصيحة من أحد وربما أنه يرى أنه ليس بمفسد في الأرض , غره شيطانه ووصل من حد فساده إلى أن يرى نفسه مصلحا وإلى أن يرى نفسه مريدا الخير للناس , لا يرى فساد نفسه , تغير طبعه وأنقلب عقله وأنتكس فكره حتى صار يرى الفساد صلاحا قال سبحانه وتعالى :(وإذا قيل له اتق الله ..)اتق الله خف الله عزوجل اجعل بينك وبين الله من عقابه وعذابه وقاية (اتق الله ) واعمل صالحا اتق الله ودع الفساد في الأرض اتق الله واترك ما فيه إفساد للحرث والنسل اتق الله إذا نصحه العلماء أو الدعاة أو الموجهون أو المربون لم يقبل النصيحة أخذته العزة بالإثم أخذته الأنفة والحمية بالإثم بسبب الإثم وللإثم ولمزيد من الإثم فيتأنف ويستنكف عن أن يقبل النصيحة (أخذته العزة بالإثم) لم يرعوي ولم ينقطع عن فساده وهكذا يستملي الإنسان المفسد الفساد ويصير الفساد بالنسبة له كعادة من العادات والعياذ بالله ويتوعده الله عزوجل (فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) فحسبه ويكفيه جهنم وعذابا له إذا لم ينقطع عن الفساد في الأرض في هذه الدنيا فعذاب الله عزوجل ينتظره (فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) بئس جهنم مهادا وفراشا ومأوى يأوي إليه
هذه الصورة هي الصورة السوداء المعتمة الخبيثة ذكرها الله عز وجل لنا لنحذرها لنحذر أن نقع في شئ منها ولنحذر ممن يكون من أهلها .
قلت ما سمعتم فاستغفروا الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وآله أجمعين أما بعد
أيها المسلمون عباد الله :اتقوا الله حق تقواه ،عباد الله: يقول الله عز وجل في بيان الصورة الثانية الصورة البيضاء المشرقة الحسنة في مقابل هذه الصورة في مقابل الصورة الأولى يقول سبحانه وتعالى :أعوذ بالله من الشيطان الرجيم(ومن من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد ) ومن الناس صنف من الناس وهذه أصناف موجودة في كل زمان ومكان من الناس (من يشري نفسه ) من يبيع نفسه يشري نفسه: أي يبيع نفسه لله عز وجل يشري نفسه ليس للدنيا ولا من أجل الدنيا ولا من أجل مصالح الدنيا ولكن من أجل الله سبحانه وتعالى والدار الآخرة (يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) طلبا لمرضاة الله يريد مرضاة الله سبحانه وتعالى من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله يبيع نفسه يوقف نفسه ويجعل من نفسه وقفا لله ولدين الله ولما يحبه الله ويرضاه لينال رضا الله والدار الآخرة قال بعض المفسرين :(نزلت هذه الآية في صهيب الرومي رضي الله عنه بعدما هاجر وترك مكة إلى المدينة لما أراد أن يهاجر رصد له أهل مكة يريدون قتله وقالوا له جئتنا بلا مال وتخرج الآن ولك مال ولم يكن من قريش وإنما كان من غيرهم من العرب ولم يكن صهيبا روميا قط وإنما هو من العرب على خلاف ما هو شائع بين كثير من الناس وإنما قيل له الرومي لأنه أسر من قبل الروم وتعرّف على لغة الروم فصار يقال له الرومي وهو عربي ولكنه لم يكن من قريش فوقفت له قريش في الطريق وقالوا له جئتنا ولا مال لك وتخرج ولك مال والله لا تخرج فقال أرأيتم إن أعطيتكم مالي أكنتم تاركين لي حالي ولنفسي أن أذهب وأهاجر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا:نعم فدلهم على ماله فتركوه فلما أقبل إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : (ربح البيع أبا يحيى ربح البيع أبا يحيى) ، فهذا باع نفسه في هجرته هاجر إلى الله وترك ماله وداره وكل شي , فالمهاجر في سبيل الله يبيع نفسه في سبيل الله يشري نفسه ابتغاء مرضات الله.
وقال بعض المفسرين: نزلت في شأن أهل الرجيع الذين أرسلهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عيونا على قريش فقتلهم بنو عامر في قصة معروفة فهؤلاء في الجهاد شروا أنفسهم مرضات الله عز وجل
ولكن الراجح في سبب نزول هذه الآية ما قاله عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أن هذه الآية نزلت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي عامة في كل من شراء نفسه ابتغاء مرضات الله لكنها نزلت على وجه الخصوص فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولا يهمه رضا من رضي وغضب من غضب أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر وأن يقول للفساد هذا فساد , ذكر الله عز وجل هذه الصورة في مقابل صورة المفسدين لا بد أن يقابلهم صنف مصلح في هذه الأمة يقول للفساد هذا فساد ويقول للمفسدين يا مفسدون ويقول لأهل الصلاح اثبتوا على صلاحكم وعلى خيركم ويقول لأهل الفساد دعوا الفساد مهما كان هذا الصلاح من أي صنف كان ومهما كان هذا الفساد من أي صنف كان لا بد أن نقول له جميعا إن الله سبحانه وتعالى يذكر لنا هذه الصورة وهذه السمات لنتصف بها معشر المسلمين نكون من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله …)لا يطلب إلا مرضاة الله ولا يجوز السكوت على الفساد وعلى جر البلاد إلى الهاوية لا بد أن نقول للمفسدين اسكتوا واصمتوا وكفى فسادا (..والله رؤوف بالعباد )والله رؤوف بالعباد الذين يصلحون ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقفون أمام الفساد والمفسدين إذا وقف أهل الخير أمام الفساد والمفسدين رأف الله بهم ورحمهم سبحانه وتعالى وإذا سكتوا على الفساد والمفسدين أنزل الله عقوبته العامة (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )
فلنتقي الله عباد الله نعرف ونعلم أن كل ما فيه فساد فهو مرفوض ونعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يحب الفساد بكل صوره وأنواعه ولا يحتاج هذا إلى فتيا عالم ولا إلى خبر مخبر , وكل مؤمن مسلم يعرف ما هو الفساد ؟ وما هو الصلاح ؟
أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يشري نفسه ابتغاء مرضات الله وأن لا يجعلنا من ممن يفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا وتب علينا واسترنا ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والأموات إنك حي قريب سميع مجيب الدعوات ، اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا ،اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمعلمينا وأزواجنا وذرياتنا ولمن له حق علينا ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم انصر فيمن نصره نصر للإسلام والمسلمين اللهم انصر فيمن نصره نصر للإسلام والمسلمين اللهم رحماك بالمستضعفين من المسلمين في كل مكان اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم جنبنا الفتن ماظهر منها وما بطن اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال(إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله يذكركم واشكروه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .