حضرموت من اليمن
بعيدا عن جدلية الأسبق حضرموت أو اليمن ،
وبعيدا عن جدلية هل حضرموت القديمة المذكورة في التوراة هي القبيلة أو الإقليم ؟
وبعيدا عن جدلية هل اليمن مذكورة في التوراة مفسرة بلفظة الجنوب أو لا ؟
بعيدا عن ذلك كله أنا أسأل : هل جدة من المملكة العربية السعودية أو لا ؟
الجواب الذي لا ينبغي أن نختلف عليه هو : نعم جدة من المملكة العربية السعودية .
لكن كيف نتفق على أن جدة من المملكة العربية السعودية مع أن جدة أقدم بآلاف السنين من المملكة العربية السعودية ؛ بل في كتب التاريخ أن جدة هي مهبط آدم عليه السلام على أحد الأقوال ، أو هي مهبط حواء عليها السلام ، حتى لو لم يصح شيء من ذلك فلا خلاف أن جدة أقدم من المملكة العربية السعودية ومع ذلك هي من المملكة العربية السعودية ، وأما كيف ذلك وهي أقدم منها فإن الإجابة عن ذلك هي أن دلالات الأسماء لا علاقة لها بالتاريخ ،ولا علاقة لها بشيء اسمه كذا أقدم من كذا ، ذلك أن حقائق الأسماء تستمد حقائقها من مرجع الحقيقة لا من التاريخ والأقدمية ، وحقائق الأسماء ثلاث : حقيقة لغوية وحقيقة عرفية وحقيقة شرعية ، فالحقيقة العرفية للمملكة العربية السعودية هي أنها تشمل جدة ؛ بل ومكة والمدينة وغيرها من المدن التي أقدم في التاريخ من نفس المملكة .
وحروف كلمة “الله” تدل في كل الحقائق الثلاث على الرب الخالق ذي الألوهية ، وإن كانت هذه الأحرف محدثة ، ولا ينبغي أن يخرج بنا الجدل العقيم إلى القول بأن حروف اللغات المنطوقة عند الخلق قديمة قدم الله عز وجل كما قد ذهب إليه طائفة من أهل الكلام .
وكلمة ” اليمن” لفظة لغوية وعرفية وشرعية فهي من الناحية الشرعية لفظة جاءت في النصوص الشرعية في مثل : حديث « الإيمان يمان والحكمة يمانية » ، والبحث حينها يكون : ما هو المدلول الشرعي لكلمة ” اليمن ” ؟
فالبحث يكون عن مراد الشارع من كلمة “اليمن” وما تشمله هذه الكلمة ، وليس من الدلائل ولا القرائن لإخراج منطقة ما من النطاق الشرعي لليمن كون تلك البلدة أو المنطقة أقدم وجودا من اليمن في الاسم ، فالأسماء الشرعية حادثة بعد نزول الوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولكنها شاملة في دلالتها لما قصده الشرع بصرف النظر عن التاريخ والأقدمية .
فحقيقة البحث : هل حضرموت من “اليمن ” في الحقيقة الشرعية ؟
والجواب : المسألة خلافية بين العلماء في المراد باليمن في هذه الأحاديث ، والجمهور على أنها شاملة لحضرموت . ومن رأى أن اليمن لا تشمل حضرموت في الحقيقة الشرعية الممدوحة في الأحاديث فله رأيه .
ولا علاقة لهذا بالسياسة والتاريخ .
وأما مسألة أيها أقدم تاريخيا اسم اليمن أو اسم حضرموت فهو بحث آخر ، ولكن لا علاقة له بدلالة الألفاظ ؛ لأن اللفظ يستمد دلالته من اللغة أو العرف أو الشرع ولا علاقة للأقدمية في دلالة الألفاظ .
والله أعلم .
أبو مجاهد صالح باكرمان .