خطبة هل آن لنا أن نتحرر -مفرغة-

أيها المسلمون عباد الله :هل آن لنا أن نتحرر؟ هل آن وقت التحرير الحقيقي؟ فقد كنا أيها الأحبة وكانت أرض المسلمين وبلاد المسلمين والشعوب الإسلامية قبل نصف قرن تحت نيل الاحتلال الغربي تحت  نيل الاحتلال الكافر ثم قامت جيوش الإسلام وانتفضت أشبال الإسلام وانتفضت رجال الإسلام وقامت الانتفاضات والثورات على ذلكم المستعمر الغاشم الكافر الذي يخرب دين الأمة وعقيدتها وسلوكها ويتحكم في خيراتها ,  انطلقت جيوش الإسلام يحدوها القرآن وتحركها العقيدة الإسلامية والفطرة الإنسانية حتى تحررت الأرض وخرج آخر جندي محتل من أرض المسلمين ولكن هل تحرر الإنسان ؟ تحررت الأرض لكن الإنسان العربي والإنسان المسلم لم يتحرر    ..
أيها المسلمون : إن حرية الإنسان وتحرر الإنسان هو الغاية العظمى التي جاءت من أجلها رسالات السماء وأنزلت من أجلها كتب السماء وشرعت الشرائع ليكون الإنسان حرا ,  ليتحرر الإنسان من العبودية للإنسان ولسائر الخلق ليكون عبدا لله وحده ليكون عبدا لخالقه لربه الأعلى(الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى) هذا هو لب رسالات السماء فالإنسان حر متحرر ليس عبدا لأحد إلا لربه الذي خلقه ,  جاءت رسالات السماء ليكون الإنسان حرا في تعبده وتألهه وتقربه لا يتعبد ولا يتأله ولا يتقرب إلا لله وحده وليكون حرا في إرادته فلا يكون تابعا مطيعا طاعة مطلقة إلا لله جل وحده ,  حرا في اختياراته فلا يكون خاضعا ذليلا إلا لله وحده لتكون صلاته ونسكه وتوجهه ودعاؤه وخضوعه وخنوعه وطاعته وتحاكمه وحياته كلها ومماته لله رب العالمين(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين*لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) فلا يتقرب لمخلوق بركوع وسجود وقرابين وتلك هي العبودية الظاهرة الواضحة , ولا يكون عبدا لمخلوق بالطاعة العمياء التي يصير بها الحلال حراما والحرام حلالا ولو كان ذلك الإتباع للعلماء ولا يكون عبدا الأحد بالخضوع والذل والخنوع ولو كان ذلك الخضوع والخنوع والذل للعباد والصالحين وقد نعى الله عز وجل على أهل الكتاب تلك العبوديات فقال سبحانه وتعالى:اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا سبحانه وتعالى عما يشركون) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم وهم العباد أربابا من دون الله الربوبية بالخضوع والركوع والسجود فقط ولما جاء علي ابن حاتم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل القائد الزعيم زعيم طي ونجل كريم العرب حاتم الطائي فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد تنصر في الجاهلية جاء مسلما وشهد الشهادتين فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم…)فقال علي رضي الله عنه وأرضاه:ما عبدناهم يا رسول الله هو نصراني ما عبدنا العلماء وما عبدنا الرهبان ما عبدناهم يارسول الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ألم يحلوا لكم الحرام فحللتموه وحرموا عليكم الحلال فحرمتموه قال : بلى قال: قتلك عبادتكم إياهم)رواه أحمد والترمذي وهو حديث صحيح
أيها المسلمون عباد الله:فإذا كان اتباعه أعمى والخضوع والخنوع للعلماء والعباد أشراف الأمة ورؤوس الناس إذا كان ذلك في معصية الله عبودية لغير الله فكيف بالخضوع والخنوع للظالم المستبد أو حزب مستبد أو طائفة أو أسرة مستبدة شعارهم
ما أريكم إلا ما أرى كما قال فرعون (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)
تحررت الأرض أيها الأحبة ولم يتحرر الإنسان لم يتحرر المسلم تحررا تاما من العبودية للبشر بأشكالها المختلفة الذين اتخذوا أنفسهم أربابا من دون الله من ظلمة مستبدين أو أحزاب مستبدة أو أسر مستبدة أو طوائف مستبدة ولم يتركوا الخلق للخالق
إن حرية الإنسان وتحرر الإنسان هو أن لا يكون خاضعا إلا لله وحده أن تكون إرادته بيده وأن يكون أمره بيده وأن يكون فكره بضوابط الشرع بيده وبإرادته وأن يكون الحكم هو حكم الله النافذ على جميع الخلق والعادل على جميع الخلق وأن يكون صنوف الناس بمختلف أصنافهم وألوانهم وأطيافهم أن يكونوا جميعا تحت هذا القانون والشرع سواسية , متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ رضي الله عنك رضي الله عنك يا فاروق الأمة متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا
تحررت الأرض ولم يتحرر الإنسان وكان ذلك بمكر كبار من قوى الشر الاستعمارية الغرب المحتل لديار المسلمين قد أخذ الخبرة من سوابق عهده في قديم الزمان فقد كر كرات عدة على أرض المسلمين في الحروب الصليبية وانهزم فيها شر هزيمة وجر أذيال الهزيمة وتأثر أبناءه بحضارة الشرق وفي تلك الفترة أسر(لويس التاسع )في الإسكندرية وفي أسره خطط الخطة الرهيبة التي أذاعها للغرب بعد رجوعه إليهم أخبرهم أنه لا سبيل لاستعمار المسلمين وإخضاعهم إلا بدراسة فكرهم ودينهم وعقائدهم وتقاليدهم وبمعرفة كل صغيرة وكبيرة فيهم وأن نغزوهم فكرا قبل أن نغزوهم عسكريا فأرسل الغرب جيوشه السابقة للجيوش العسكرية من جيوش المستشرقين والمبشرين والجواسيس الذين درسوا الشرق دراسة تامة عرفوا الدين واللغة والأفكار والطوائف والأجناس والبلاد وعرفوا كل صغيرة وكبيرة ثم جاءوا بعد ذلك بجيوشهم ودخلوا بين صفوفنا ومكثوا طويلا ولكن ليوث الإسلام لم تسكت عليهم فانتفضت وثارت وجاهدت وأخرجت ولكن الغرب قد أعد عدته وهيأ لأمر خروجه فقد دس أفكاره المسمومة وأخذ أبناء المسلمين يعلمهم ويربيهم على عينه فنشأ دين على أفكار غير أفكار الإسلام على أفكار قومية واشتراكية وديمقراطية وغيرها من الأفكار المنحرفة المخالفة للأفكار الإسلامية ولما آن أوان خروج المستعمر سلم البلاد لإؤلئك الأولاد ولألئك الشباب ولذلك الجيل الذي رباه على عينه خرج المستعمر جسدا ولم يخرج روحا ذهب المستعمر الأجنبي وبقي المستعمر الوطني كما عبر البردوني في بعض قصائده وصدق بقي المستعمر الوطني الذي هو من جلدتنا ويتكلم بألسنتنا ولكنه يفكر بغير عقولنا في هذه الأرض وفي هذه الجنوب جاء القوميون ثم الاشتراكيون وغردوا خارج السرب ودخلوا بنا في نفق مظلم وقد اعترف كثير منهم بذلك اليوم دخلوا بنا في نفق مظلم ثم أرادوا أن يخرجوا الناس من النفق المظلم وجاءت الوحدة ووقع ما وقع فيها من ظلم واستبداد آخر ونحن اليوم وغدا نطالب بالحرية والتحرير إنها أعظم ما يطلبه المسلم وأعظم ما يطلبه الإنسان ولكن لابد أولا أيها الأحبة أن نتحرر إنسانا قبل أن نتحرر أرضا إن لم يكن مع تحرير الأرض تحرير الإنسان فإنما هو استبدال ظالم بالظالم ومستبد بمستبد وطائفة بطائفة وأسرة بأسرة ولا نزال ندور في محلنا لا نراوح
فإذا أردنا الخروج من النفق المظلم علينا بالعودة إلى كتاب الله إلى عزنا إلى مخرجنا من الفتنة إلى مخرجنا من الظلمة الكتاب الذي جاء به محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم (ليخرجنا من الظلمات إلى النور ) فيه الهدى والنور في كل صغيرة وكبيرة نستضئ به ونستلهم به إن أمة الإسلام التي أخرجت حضارة الإسلام وصنعت حضارة الإسلام لن تصنع شيئا إلا بهذا الكتاب ومن خلال هذا الكتاب بفهم صحيح معتدل بعيد عن الغلو والشطط وبعيد عن الجفاء والبعد ولا مخرج لنا ولا هداية لنا ولا سعادة لنا ولا طمأنينة لنا إلا أن نجعل محمد صلى الله عليه وسلم هو القدوة في أخلاقه في سيرته في حكمه في أحكامه في قضائه في سيرة وفي كل صغيرة وكبيرة  ما لم نترب على ذلك ويتربى جيلنا على ذلك فاعلموا أننا سنراوح مكاننا في الظلم والاستبداد والخوف وغير ذلك مما يبتلينا الله به ..
اسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يزيل عنا الغمة وأن يحررنا تحريرا حقيقيا وأن يزيل الغمة عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن أمة محمد أجمعين قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثـــــــــــانيــــــة
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى صلى الله على محمد وعلى آله ومن اجتبى أما بعد :
أيها المسلمون عباد الله : ابشروا عباد الله أما من جهة الظلم والاستبداد فإن الله عز وجل قد تكفل بإزالته وقد تكفل الله بالظلمة والمستبدين بنفسه ,  ابشروا عباد الله طال الزمان أو قصر وكل مستبد ظالم لا بد أن ينتهي في يوم من الأيام , ورب العزة جل جلاله لا يغفل عن الظالمين ولا ينسى الظالمين ولا يترك الظالمين بل إن الله سبحانه وتعالى ذكر في كتابع العزيز أن كل من ظلم يخرب بيته كما جاء في قوله تعالى (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ) فتلك بيوتهم خاوية لا يسكنها أحد ما السبب يارب ؟ بما ظلموا ,  بسبب ظلمهم وقد جاء في الأثر أن كعب الأحبار وكعب الأحبار كان يهوديا ثم أسلم فكن من أحبار المسلمين ومن المتحدثين في الإسلام كان يحدث الناس يوما فقال : مكتوب في التوراة من ظلم خرب بيته فجاء قوم إلا ابن عباس رضي الله عنهما قالوا:يا بن عباس إن كعبا يحدث ويقول إن في التوراة أن من ظلم خرب بيته قال صدق ذلك في كتاب الله (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا )(فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا )فكل من ظلم أو استبد فيكون مصيره أن يخرب بيته (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون…) لا تحسبن ياعبد الله أن الله غافل (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) وهذه الآية أشد آية على الظالمين وأعظم تسلية للمظلومين ولكن الظلم لا يؤدب الظلم والظلم لا يقابل بالظلم وإلا فهو عذاب الله الذي ينتظر من ظلم (مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد)
فاتقوا الله عباد الله واستقيموا على طاعة الله وارجعوا إلى كتاب الله وتمسكوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تفلحوا وتغنموا وتأمنوا وتطمأنوا
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال (إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد    ..

 

 

لتحميل الخطبة صوتية من هنا

زر الذهاب إلى الأعلى