أوقفوا العابثين بالأمن -مفرغة-

 

أوقفوا العابثين بالأمن

كم النفوس تواقة إلى وضع آمن يأمن فيه الإنسان على نفسه وعرضه وماله , فالأمن من أعظم النعم التي يمتن بها الله عز وجل على عباده , قال الله عز وجل ممتنا على قريش: ((أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ))[العنكبوت: 67].

وفي الحديث : ( من أصبح منكم آمنا في سربه , معافى في بدنه , عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا ) رواه الترمذي وابن ماجه .

ومعنى (آمنا في سربه )آمنا في طريقه يذهب ويرجع , ويغدو ويروح ليلا ونهاراوهو آمن على نفسه وعرضه وماله , فهذه نعمة من أعظم النعم , وهي نعمة مفقودة هذه الأيام , فحوادث القتل والاغتيال والسرقة والنهب , وقطع الطريق والخطف أصبحت جرائم دائمة وحوادث مستمرة , وأضحى الواحد منا لا يأمن على نفسه ولا يأمن على أهله وماله ! فأين الدولة ؟ وأين هيبتها ؟ لقد ذهبت هيبة الدولة , وذهبت سطوتها إلا على أهل الحق والمطالبين بالحقوق العادلة , أما المجرمون وقطاع الطرق ومهربو المخدرات فيجدون سندا من بعض أطراف الدولة , ومن بعض الأجهزة الأمنية المحسوبة على الدولة . إن ثمة من يستفيد من بقاء البلاد على هذا الوضع من الفوضى والفساد والعبث , ثمت من له مصالح في ذلك فهو حريص على بقاء مصالحه الأنانية وتحقيق مآربه الخبيثة .

إن من واجب كل مسلم حر مخلص لأهله ووطنه أن يقف ضد هذا الباطل الظاهر والمنكر المعلن , يجب أن نقف صفا واحدا ضد هذا الإفساد , ضد هذا العبث , يجب أن نكون سدا منيعا أمام إفساد المفسدين وعبث العابثين . وأول ما يحب أن نفعله هو جمع الكلمة ورص الصفوترك التنازع ثم التعاون على البر والتقوى , قال الله عز وجل : ((وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين ))[الأنفال: 46]. فالتنازع والاختلاف المذموم يؤدي إلى الفشل والضعف , وعلى إثر ذلك تذهب الريح والقوة . وقال الله عز وجل : ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ))[المائدة: 2].

نتعاون جميعا من أجل أمن بلادنا وأهلها : العلماء والدعاة والتربويون والإعلاميون بكلمتهم وتوجيههم , فواجبهم هو توجيه الناس لرص الصف ووحدة الكلمة والتعاون على البر والتقوى وتقديم المصلحة العليا على المصالح الضيقة والخاصة .

ورجال الأمن المخلصون الصادقون بالقيام بواجبهم من اليقظة والتربص بالمجرمين ، والقيام بكافة الجهود لضبطهم وحجزهم ليمثلوا أمام العدالة ، ويعاقبوا بما يستحقون .

ومقادمة القبائل ورجالها في ضبط مناطقهم والتيقظ للداخل والخارج منها ، حتى تعود الهيبة للأرض وسكانها ، وينكفئ المفسدون عن إفسادهن

إننا لا نريد أن تحل القبيلة محل الدولة فهذا ليس مقبولا في قاموس المدنية والتحضر ؛ بل هذا الذي جاء الإسلام لاجتثاثة ,ولكننا نريد أن تكون القبيلة سندا للدولة في الحق وفيما يعود على أبناء هذه الأرض بالخير والصلاح .

ورجال النيابة والقضاء عليهم أن يحكموا في هؤلاء المفسدين في الأرض بما يقتضيه الشرع الحنيف بلا مواربة ولا تردد ، فهؤلاء المفسدون في كثير من الأحيان يقطعون الطرق ويخطفون ويقتلون ويفسدون في الأرض , وهؤلاء في التصنيف الشرعي هم أهل حرابة ، فلو أقيم عليهم حد الحرابة من القتل والصلب لكان في ذلك ردع لغيرهم , لو أقيم حكم الله على طائفة قليلةمن المخالفين لشرعه لانكأتالجرذان إلىمخبابئهاولانزوتالأفاعي في حجورها , ولأمنت الناس على أنفسها وأعراضها وأموالها ، قال الله عز وجل :(( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )) [المائدة: 33].

فهذا هو حكم الله عز وجل في أهل الحرابة الذين يفسدون في الأرض , ويقطعون الطريق , ويعتدون على الأنفس والأعراض والأموال . وقد ذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أن حد الحرابة ينبغي أن يقام كذلك على أهل المكابرة الذين يخدعون ويغتالون ولو كانوا في وسط المدينة .

هذا حكم الله العادل في أهل الحرابة , حكم الله الذي يعلم الخلق , ويعلم حالهم , ويعلم ما يصلحهم , فلوا أقيم حكم الله على الخارجين عن شريعته لن تجدوا في الأرض مجرما ولأمن الناس على أموالهم وأنفسهم وأهليهم , وصدق الله جل جلاله :(( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة: 179، 180].

فالقصاص من المجرمين إنما هو بمثابة بتر العضو المريض من الجسد الذي يخشى من سريان دائه وانتشار ضرره إلى سائر الأعضاء , فإذا قطع ذلك العضو سلم الجسد وحيي ، وإذا ترك العضو تنغص الجسد وأضنى ثم هلك .

فأقيموا شريعة الله وحكمه بالعدل تأمن مجتمعاتكم ,وتسلم من الجريمة وتنعم بالأمن والخير .

 

 

لتحميل الخطبة صوتية من هنا

زر الذهاب إلى الأعلى