تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة
تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة
جاء في الحديث عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عباس أنه قال: «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» هكذا رواه أحمد والحاكم والبيهقي والطبراني وغيرهم. وجاء في رواية تفسير هذا الحديث بعبارة: «تقرب إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة».
وإنها لوصية غالية من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأحوج ما نكون إلى التذكير بها حينما تلوح الشدة في الأفق فهنا تشتد الحاجة إلى هذه الوصية لتلتفت القلوب إلى باريها وتستغل آخر لحظات رخائها وهنائها، لتستعد ليوم الشدة بالزاد {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197].
«تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» كن معروفا عند ربك في ساعة الرخاء بالتقرب إليه والمحبة له ولدينه ولكتابه ولرسوله يعرفك في الشدة والضراء بكلاءته ورعايته وحفظه ومعيته.
وكلنا بلا شك يريد كلاءة الله عز وجل ومعيته لاسيما في أوقات المحن والكرب، والسبيل إلى ذلك هو أن نسمعه أصواتنا في الرخاء بالدعاء، ونريه أجسادنا في الصلاة والعبادة، ونظهر له صدقاتنا ونذكره ذكرا كثيرا بكرة وأصيلا، ونبر آباءنا ونصل أرحامنا، ونعين على نوائب الحق، ونتعوذ به من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
لقد ضرب الله لنا في كتابه العزيز مثلا عظيما لبيان ثمرة التعرف عليه في الرخاء وذلك في قصة يونس عليه الصلاة والسلام حيث قال جل جلاله: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:139-144].
فأخبر جل جلاله أنه إنما نجى نبيه يونس عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان في الرخاء من المسبحين فنفعه تسبيحه الأول ثم انطلقت لسانه بالتسبيح في بطن الحوت فقال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]. فعرفه الله في الشدة والكرب فأنجاه، وقال جل جلاله في ختام قصته: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88]. جعلنا الله وإياكم منهم