خطبة توجيهات بمناسبة استلام المجلس الأهلي لإدارة المكلا -مفرغة-
توجيهات بمناسبة استلام المجلس الأهلي لإدارة المكلا
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه …
أيها المسلمون/
لقد مرت على المكلا أيام عصيبة وقع فيها السلب وانهب، وعم فيها الخوف والذعر ، وترقب الناس حدوث ما هو أسوأ من ذلك ، ترقب الناس زحفا بريا أو ضربات جوية لكن الله سبحانه وتعالى بمنه وكرمه وفضله ، فله الحمد وله الشكر في الأولى والآخرة ، وفي أثناء ذلك تحركت ثلة من العلماء من مجلس أهل السنة بحضرموت ومن غيرهم ومعهم طائفة من الأعيان ورؤوس القبائل لاسيما قبائل نوح وسيبان وتواصلوا مع أبناء حضرموت الذين في القصر انطلاقا من قول الله تعالى : (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) [سورة النساء : 114].
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «ﺃﻻ ﺃﺧﺒﺮﻛﻢ ﺑﺄﻓﻀﻞ ﻣﻦ ﺩﺭﺟﺔ اﻟﺼﻴﺎﻡ ﻭاﻟﺼﺪﻗﺔ ﻭاﻟﺼﻼﺓ؟» ﻗﻠﻨﺎ: ﺑﻠﻰ. ﻗﺎﻝ: «ﺇﺻﻼﺡ ﺫاﺕ اﻟﺒﻴﻦ ﻭﻓﺴﺎﺩ ﺫاﺕ اﻟﺒﻴﻦ ﻫﻲ اﻟﺤﺎﻟﻘﺔ» . ﺭﻭاﻩ ﺃﺑﻮ ﺩاﻭﺩ ﻭاﻟﺘﺮﻣﺬﻱ .
انطلاقا من هذه النصوص توجهوا إلى أبناء حضرموت في القصر الجمهوري:
– سعيا لتجنيب البلاد أن تقع تحت طائلة الضربات الجوية.
– ورغبة في تطبيع الحياة في المدينة .
ففاوضوا حكام القصر لتسليم إدارة البلاد لمجلس أهلي ، فلمسوا عندهم رغبة لذلك :
– حرصا منهم على سلامة المكلا وأهلها .
– ولكي يتفرغوا لسد الثغور ورد العدو الصائل .
وحصل الاتفاق على ذلك بفضل الله تعالى ومنته .
ثم سعى العلماء سعيا حثيثا مع الأعيان ورؤوس بعض القبائل على تأسيس المجلس الأهلي من كل الطوائف والقبائل وتشكيل هيكله ولجانه ، وكان ذلك بفضل الله تعالى ومنته ، وبدأ المجلس في الاستلام ليجنب العباد والبلاد السوء في هذه المرحلة الحرجة .
والواجب على المواطنين التفاعل مع هذا المجلس والتعاون معه فيما يعود على الناس بالخير . وأن يتخذوا من هذه الخطوة التي نجانا الله بها من الكارثة ، وأن يتخذوا من هذه المرحلة منطلقا لهم لبناء مستقبل خير وأمن وفضل لهذه البلدة ولحضرموت وما حولها .
ولكن ثمة من لا يعجبه ذلك ، ثمة من لا يعجبه الاستقرار ، ثم من لا يرى إلا نفسه ، ولا تهمه إلا مصلحته الخاصة ، يقدم مصلحة نفسه على مصلحة الناس ، وإن أدى ذلك إلى تعطيل المصلحة العامة ، أو أدى إلى ما فيه هلاك العباد والبلاد ؛ بل ولو أدى ذلك إلى الاحتراب والفتنة ، وهذه عادة الله في الخلق فإن الناس لا يستوون ، ولكن أهل الخير والصلاح وأهل العقل والرأي الصائب يعرفون أين يضعون أقدامهم ، ويعرفون من يطيعون ومن يعصون ، وبهذه المناسبة أتوجه إلى نفسي وأهلي وإخواني في حضرموت بالتوجيهات الآتية:
–
التوجيه الأول : أخلصوا العمل لله عز وجل ، وتحركوا ابتغاء مرضاة الله ، واحذروا الرياء والعجب والأنا وابتغاء الحياة الدنيا .
قال الله عز وجل : {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114].
فمن كان عمله وسعيه ونشاطه وتحركه فهو الظافر الفائز ، ومن كان همه ومقصده غير ذلك لم يكن له أجر وكان سعيه حسرة عليه وندامة يوم القيامة .
فعن أبي أمامة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه آله وسلم فقال : أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ، ما له ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:: «لا شيء له »
فأعادها ثلاث مرار ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا شيء له» ثم قال : « إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي وجهه » .
رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد
واعلموا أن الإخلاص لله سبحانه وتعالى وتمخيض الأقوال والأفعال لله سبحانه وتعالى وقصد الله عز وجل وحده بذلك من أعظم أسباب النصر
فعن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أنه ظن أن له فضلا على من دونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: « إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم» رواه النسائي .
فلنخلص لله حتى ينصرنا الله سبحانه وتعالى وحتى يسددنا سبحانه وتعالى.
التوجيه الثاني :
اجمعوا كلمتكم ووحدوا صفكم ، وابتعدوا عن كل ما يعكر صفوكم :
قال الله عز وجل : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا َ) [سورة آل عمران : 103].
وقال تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) [سورة الشورى : 13].
فإقامة الدين وترك التفرق في الدين من أعظم ما أوصى الله أولي العزم من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
واحذروا يا أهلي وإخواني من التعصب المقيت والولاء الضيق للحزب أو الجماعة أو الفئة أو القبيلة وكونوا عباد الله إخوانا ، قال الله عز وجل : (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [سورة الروم :٣١- 32].
فليس من شأن أهل الإسلام أن يتفرقوا ولا أن ولاءهم وبراءهم على غير أساس الدين ، فالحزب وسيلة والجماعة وسيلة والفئة وسيلة والطائفة وسيلة فلا يحل للمسلم أن يتخذها غايات ولا أن يقيم الولاء والبراء على أساس شيء من ذلك .
واعلموا عباد الله أن في الاجتماع والاتفاق رحمة ونجاح وفي التنازع والاختلاف عذاب وفشل ، قال الله عز وجل : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [سورة اﻷنفال : 46].
التوجيه الثالث: احذروا الدنيا واحذروا النظر إلى حطامها الزائف الفاني فإن ذلك من أعظم أسباب الفشل في الدنيا والآخرة
قال الله عز وجل :{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 152].
وقد نزلت هذه الآية في شأن الصحابة في غزوة أحد ، في شأن النفر الرماة الذين جعلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حراسا على الجبل وأمرهم أن لا يبرحوا أماكنهم فلما رأوا انتصار المسلمين تعجل طائفة منهم وترك مكانه رغبة في الحصول على بعض الغنيمة فوقعت الهزيمة بسبب ذلك مع أن الغنيمة حلال بلال فكيف بمن يريد الدنيا بالحلال والحرام .
التوجيه الرابع : اشتغلوا بالعمل ولا تشتغلوا بالجدل :
قال الله عز وجل :{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105].
ويجب أن يصطبغ العمل بروح التعاون ، قال الله عز وجل :{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].
وفي الحديث عن أبي موسى ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه ” رواه البخاري ومسلم .
والمؤمن المخلص يبذل جهده لخدمة مجتمعه وأهله حيثما كان فلا تهمه المناصب والمراتب .
فﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ وآله ﻭﺳﻠﻢ، ﻗﺎﻝ: «ﺗﻌﺲ ﻋﺒﺪ اﻟﺪﻳﻨﺎﺭ، ﻭﻋﺒﺪ اﻟﺪﺭﻫﻢ، ﻭﻋﺒﺪ اﻟﺨﻤﻴﺼﺔ، ﺇﻥ ﺃﻋﻄﻲ ﺭﺿﻲ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻌﻂ ﺳﺨﻂ، ﺗﻌﺲ ﻭاﻧﺘﻜﺲ، ﻭﺇﺫا ﺷﻴﻚ ﻓﻼ اﻧﺘﻘﺶ، ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻌﺒﺪ ﺁﺧﺬ ﺑﻌﻨﺎﻥ ﻓﺮﺳﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ، ﺃﺷﻌﺚ ﺭﺃﺳﻪ، ﻣﻐﺒﺮﺓ ﻗﺪﻣﺎﻩ، ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ اﻟﺤﺮاﺳﺔ، ﻛﺎﻥ ﻓﻲ اﻟﺤﺮاﺳﺔ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﻗﺔ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﻗﺔ، ﺇﻥ اﺳﺘﺄﺫﻥ ﻟﻢ ﻳﺆﺫﻥ ﻟﻪ، ﻭﺇﻥ ﺷﻔﻊ ﻟﻢ ﻳﺸﻔﻊ » رواه البخاري .
الخطبة الثاني
الحمد لله رب العالمين …….
أيها المسلمون عباد الله
التوجيه الخامس : الزموا النصيحة لبعضكم واسلكوا لها سبلها المشروعة واحذروا كل طريقة مضادة لها ممنوعة :
عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه مسلم.
وحقيقة النصيحة للمسلم هي إخلاص وصفاء القلب وطهارته وتمحيض الحب والولاء للمسلم الإخلاص والصفاء الذي يثمر فعل كل ما يحبه الأخ المسلم وكل ما يصلحه واجتناب كل ما يكرهه الأخ المسلم ويفسد حاله .
والنصيحة سبيلها الإسرار, وحسن القول , وقصد التسديد .
وأما أضدادها فسوء الظن والتجسس والهمز واللمز والغيبة قصد الإفساد .
التوجيه السادس : احذروا عباد الله من الفتنة فيما بينكم :
فإن الفتنة بين المسلمين هي الحالقة وهي التي تسلط العدو الخارجي فعَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا – أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا – حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضا» رواه مسلم.
فاتقوا الله عباد الله ، واجتهدوا فيما يرضي الله عز وجل واجمعوا كلمتكم وانتهزوا فرصتكم لإصلاح أمركم قبل أن تندموا ولات ساعة مندم .
وصلوا وسلموا …..ً