إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

كل واحد منا ينشد التغير نحو الأفضل للمجتمع الذي يعيش فيه كي تطيب له الحياة ويهنأ فيها بعيش رغيد، لكن تغيير المجتمع نحو الأفضل والأحسن لا يتأتي إلا بشرط يسبقه، ولا يتحقق إلا بشرط يتحقق قبله، ذلك الشرط هو إحداث التغير نحو الأفضل في الأنفس، هذه حقيقة قرآنية وسنة كونيه لا تتغير ولا تتبدل، قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11].

فهذه سنة كونية ثابتة يؤكدها القرآن الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42].

آية صريحة ظاهرة يبين الله عز وجل فيها لعباده أنه لا يغير ما بقوم وما بمجتمع من حال حسن أو سيء حتى يغيروا ما بأنفسهم من حال حسن أو سيء. هذه هي سنة الله عز وجل في خلقه، والأمر بيده سبحانه، فهو الذي يغير الأحوال، والخلق تحت مشيئته يفعلون الأسباب التي جعلها جل جلاله مؤدية إلى مسبباتها، وقد قضى جل جلاله فيما قضى أن لا تغيير في المجتمع إلا بتغيير يسبقه في الأنفس؛ فالتغيير في القوم أو المجتمع تابع للتغير الذي يحدثونه في أنفسهم، فإذا كان القوم في حال حسن من صحة وعافية وأمن وأمان واستقرار ورغد ورخاء في العيش فإن الله عز وجل لا يغير ذلك الحال الذي هم فيه حتى يغيروا ما بأنفسهم فيتحولوا من الطاعة إلى المعصية ومن الإيمان إلى الفسوق ومن الشكر إلى الكفر، وذلك هو المعنى المراد في سياق الآية، قال الله عز وجل مبينا وموضحا لذلك المعنى في آية أخرى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:53].

وتدل الآية الكريمة بعمومها على أن الله عز وجل لا يغير ما بقوم من حال سيئ من فقر وضنك معيشة وجهل ومرض وخوف وقلق حتى يغيروا ما بأنفسهم فيتحولوا من المعصية إلى الطاعة ومن الفسوق إلى الإيمان ومن الكفر إلى الشكر.

وهذا هو بيت القصيد, وهو ما نريد.

وإذا كنا ننشد التغيير إلى الأحسن لمجتمعنا فلا بد من العمل بموجب ما اشترطه القرآن لذلك، وهو أن نبدأ أولا بإحداث التغيير إلى الأحسن في أنفسنا حتى يبدل الله مجتمعنا إلى الأحسن ويهيئ الله الأمر لذلك.

تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا في القصد والإرادة لنخلص قصدنا وإرادتنا إلى لله عز وجل وحده, وننخلع من الرياء والسمعة والعجب بالنفس وإرادة الدنيا، حتى تكون أعمالنا كلها لوجه الله عز وجل وابتغاء مرضاته لا نريد بها جزاء ولا شكوراً, قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5].

تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا بفعل ما قصرنا فيه من الواجبات، وترك ما اقترفنا من المحرمات, بالمحافظة على الصلوات والاستقامة على الطاعات، والملازمة لتقوى الله. قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18].

تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا بالتفتيش في القلوب لنزيل ما فيها من غل وحقد وحسد وبغض لبعضنا البعض ولنزرع فيها المحبة والنصيحة والنقاء وحب الخير للغير، قال الله عز وجل عن أهل الجنة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً} [الحجر:47]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا بترك الكبر والترفع واحتقار الآخرين لنكون متواضعين هينين لينين, قال رسول الله صلى الله علية وسلم: «حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» [رواه مسلم].

تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا بترك العقوق والقطيعة ولنعش بدلا من ذالك بالبر والصلة والتسامح والعفو. قال الله عز وجل: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22].

تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا بالتحول من أخلاق الفضاضة والغلظة والقسوة والشدة إلى أخلاق اللين والرحمة والرفق والشفقة. قال الله عز وجل: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:34-35].

تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا بترك الغش والمكر والخداع واللف والدوران وأكل الرشا وأكل المال الحرام وأخذه بالتأويلات الفاسدة التي يزينها الشيطان، وأن يكون تعاملنا بالصدق والوضوح والنصيحة وأن نقنع بالقليل، قال رسول الله صلى الله علية وسلم: «إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات؛ فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه» [رواه مسلم].

تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا بصون ألسنتنا من الكذب والغيبة والنميمة والسب والشتم واللعن وقول الباطل حتى تكون أفواهنا نظيفة وألسنتنا رطبة بذكر الله، قال الله عز وجل في وصف المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:3].

إن تعداد الأوجه التي يجب على المسلم أن يحدث فيها التغيير يطول جدا، وحسب المسلم أن يذكر ببعضها.

والحاصل: أن علينا أن نغير كل ما بأنفسنا من نقص وخلل لنجعل مكانه ما يسد الخلل ويزيل النقص، ويرتقي بالنفس نحو الزكاة والطهر والبر والتقوى. فإذا حدث ذلك التغيير في الأنفس وفى الله لنا بما وعدنا من التغيير في المجتمع {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111].

زر الذهاب إلى الأعلى