خطبة شهر رمضان -مفرغة-
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره … أيها المسلمون عباد الله / تطوى الليالي والأيام , وتنصرم الشهور والأعوام , فها نحن إزاء دورة جديدة من دورات الزمان , فبعد أيام معدودات يشرق على الدنيا هلال شهر رمضان المبارك , ويفد علينا وافد الخير بنظامه المستقل وجوّه المنفرد , وشكلياته الخاصة, والناس إزاء ذلك الوافد على أصناف : – فصنف لا يرى في ذلك الوافد إلا جوعاً لا تتحمله أعصاب معدته , وعطشاً لا تقوى عليه مجاري عروقه , فهو عازم – عياذاً بالله – على الإفطار خفية غير مبال بمراقبة الله عز وجل , فليتق الله هذا الصنف فإننا عليه مشفقون وله ناصحون . – وصنف آخر يرى في رمضان موسماً للموائد الزاخرة بألوان الطعام والشراب , وفرصة جميلة للسهر واللهو الممتد إلى الفجر والنوم العميق في أثناء النهار . – وصنف ثالث يرى في رمضان غير هذا كله , يرى فيه موسماً للخير , ومدرسة للفضيلة ودورة تدريبية لتجديد معاني الخلق النبيل والإيثار الجليل , والصبر الجميل وتهذيب النفس والرقي بها في مدارج السلوك , وهؤلاء فقط هم الذين أدركوا حقيقة هذا الشهر وسعوا في تحقيق الغاية من تشريعه فإن الغاية من تشريعه هي التقوى كما قال الله عز وجل: (( يا أيها الذين آمنو كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )) . أيها المسلمون عباد الله / إن شهر رمضان محطة لتعبئة القوى النفسية والخلقية وموسم الخير والتوبة وغفران الذنوب , وفرصة سانحة للإنابة والرجوع وإحداث التغيير في النفس والحياة , فابشروا إخوة الإسلام بأشرف الشهور , ابشروا بشهر فيه من الفضائل والمميزات ما ليس في سواه , ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفّدت الشياطين وغـُلّقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب , وفُتحت أبواب الجنة فلم يـُغلق منها باب , وينادي منادي: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر , ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة )) رواه الترمذي . فهذه خمس مزايا لشهر رمضان المبارك : الأولى : أنه تصفد فيه الشياطين ومردة الجن التي تغري الناس بالمعصية . الثانية : أنه تغلق فيه أبواب النيران , وكل السبل الموصلة إليها . الثالثة : أنه تفتح فيه أبواب الجنان , وكل الطرق الموصلة إليها. الرابعة : أنه ينادَى في أول ليلة منه : يا باغي الخير أقبل فهذا أوانك , ويا باغي الشر أقصر فليس هذا هو وقتك . والخامسة : أنه شهر المغفرة والتوبة , فلله عتقاء من النار في كل ليلة من شهر رمضان . لهذا فإن شهر رمضان المبارك هو أنسب الأوقات للتوبة ومفارقة سيء العادات , شهر تفتح فيه أبواب الجنان , وتغلق فيه أبواب النيران , وتغل فيه جنود الشياطين , وتسرح فيه ملائكة الرحمن وتكثر فيه الطاعة والإحسان ويقل فيه الفسق والعصيان , فمتى تتوب يا عبد الله إن لم تتب في شهر رمضان, ومتى تصلح نفسك إن لم تصلحها في هذا الشهر ؟ , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ” رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي , ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان فانسلخ قبل أن يغفر له , ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة . قال ربعي : ولا أعلمه الا قد قال : أو أحدهما” رواه أحمد . فاستقبلوا شهركم – أيها المسلمون – بالتوبة والعزم على إصلاح النفوس , تب إلى الله يا من أسرفت على نفسك بالمعصية , وارتكبت الكبيرة , تب إلى الله عز وجل , يا من تشرب المسكرات و تتعاطى المخدرات فإن راحتك وسعادتك في طاعة رب البريات , تب إلى الله يا من يفجر في الخلوة ويقترف الزنا واللواط والنظر إلى ما حرم الله , تب فإنه يوشك أن يـُؤذن بالرحيل , ويأتيك هادم اللذات ومفـرّق الجماعات , إنما اللذة لحظة تذهب ويبقى ألمها وإثمها , تب إلى الله يا من ينشر الرذيلة , ويمشي في المسلمين بالفساد , يفسد نساءهم قد عرفك الناس , فكيف لا يعرفك رب الناس تب إلى الله يا من تعصي بلسانك فتكذب وتنم , وتسخر وتغتاب , وتخوض في أغراض المسلمين , تب إلى الله يا من يعق والديه ويقطع أرحامه , ويؤذي جيرانه , فها هو شهر الخير على الأبواب , شهر الصلة والخلق الرفيع والسكينة والمودة , توبوا إلى الله أيها الظالمون أطلقوا سراح المسجونين ظلماً , وردوا الحقوق إلى أهلها سلماً , ولا تبقوا على كواهلكم إثماً ولا جرماً . (( وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تُرحمون )) فكلنا ذوو خطأ وخير الخطائين التوابون , فليكن أعظم ما نستقبل به هذا الوافد الكريم هو التوبة والإنابة والرجوع إلى الله عز وجل , ولنعد العدة ليوم الرحيل قبل فوات الأوان : (( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد )) , قلت ما سمعتم واستغفروا الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذو الطول لا إله إلا هو إليه المصير , والصلاة السلام على البشير النذير , والداعي إلى التوبة والخير محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله وصحبه أهل الجد والسير . أما بعد . فأيها المسلمون / إن مما ينبغي أن نستقبل به شهر رمضان , شهر الخير والإيمان , أن نعزم على إصلاح نفوسنا وإحداث التغيير فيها قال الله تعالى : (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) فلنعزم – معشر المسلمين- على إصلاح نفوسنا في شهر تغل فيه مردة الشياطين وينادى في أوله : (( يا باغي الخير أقبل , ويا باغي الشر أقصر )) , – إنها فرصة سانحة لإحداث التغيير في النفس بملازمة الصالحين , وكثرة ارتياد المسجد , وتعويد النفس على الصلاة والصوم وقراءة القرآن , – فرصة لمفارقة أصدقاء السوء , وهجر التلفاز , ومواطن الفساد , – فرصة لتخلص من العادات السيئة , كالعادة السرية القاتلة لشباب , ومضغ القات المهدر للأموال والأوقات , وترك تعاطي التبغ بأنواعه المختلفة من دخان ومضغة نشوق , فإنك يا عبد الله تترك هذه البليات طيلة نهار كفي رمضان صابراً عنها تركاً لها , فاعزم على تركها بالكلية , وتخلص من شرها إلى الأبد واستعن بالله عز وجل على ذلك , قال تعالى : (( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين )) , وتذكروا – معشر المسلمين – قول نبيكم صلى الله عليه وسلم : (( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات )) , فلا جنة بلا إكراه نفس , ولا نجاة من النار بغير صبر عن المعصية . فاتقوا الله عباد الله وأحسنوا استقبال شهر رمضان بالتوبة الصادقة والعزم على إصلاح النفس ومن صدق الله صدقه الله . وصلوا وسلموا على من أمركم الله عز وجل بالصلاة والسلام عليه حيث قال : (( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )) . اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات …