الخسـوف والكسـوف ومــــــــا نرســــــــــل بالآيـــــــــــــات إلا تخـــــــــــــويــفا
((ومــــــــا نرســــــــــل بالآيـــــــــــــات إلا تخـــــــــــــويــفا))
إن الخسوف والكسوف آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده , ففي الحديث – عن أبي بكرة رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ» رواه البخاري. وقد جاء هذا المعنى في روايات كثير الصحابة لقصة الكسوف منهاحديث عائشة وأبي مسعود الأنصاري وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم , ففي رواية أبي موسى قال : قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ :«هَذِهِ الآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ، لاَ تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ» رواه البخاري ومسلم .
ولكن كيف يخوف الله عز وجل عباده بالخسوف والكسوف ؟ وما وجه التخويف بهما ؟ إن وجه تخويف الله عز وجل عباده بالخسوف والكسوف هو أنهما يذكران باليوم الآخر , وأهوال القيامة , وما يحدث فيه لهذين الجرمين النيّرين الشمس والقمر : فالشمس تكور في ذلك اليوم , قال الله عز وجل :(( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ )) [التكوير: 1].
ومعنى كورت: لفت ورمي بها وذهب ضوءها , فذهاب ضوئها في الدنيا يذكر بذهاب ضوئها في الآخرة .
وأما القمر فقال الله عز وجل عنه : (( وَخَسَفَ الْقَمَرُ )) [القيامة: 8], وخسوف القمر هو ذهاب ضوئه , فخسوف القمر في الدنيا يذكر بخسوفه في الآخرة , فالخسوف والكسوف آيتان تذكران بالآخرة وأهوالها , وهذا ما لمح إليه الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه في روايته لحديث الكسوف حيث قال : خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَزِعًا، يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ … » رواه البخاري ومسلم.
وتأملوا معي فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لم تذكره هذه الآية بالآخرة فقط ؛ بل خشي من فرط خوفه من ربه عز وجل أن تكون الساعة عينها ! مع أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يعلم أن بين يدي الساعة آيات كثيرة , ولكن حياة القلب , وشدة المعرفة , بقرب الساعة , وشدة الخوف من الله أذهلته حتى ظن أنها الساعة .
وهذا التخويف من الله عز وجل لعباده غايته والمقصود منه تذكير العباد تذكيرا يثمر لهم تقوى الله عز وجل, ويحملهم على الاستعداد للآخرة , فالغاية من التخويف بالآيات
الكونية كالغاية من التخويف بالآيات القرآنية , وقد قال الله عز وجل :(( لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ))[الزمر: 16].
فتخويف الله عز وجل لعباده غايته ومقصوده حمل العباد على التقوى والتوبة والإنابة , فالتخويف من الله عز وجل في حقيقته رحمة من الرحمن الرحيم , فاتقوا الله عباد الله , وتذكروا بهذه الآيات الكونية يوم العرض على الله عز وجل , وتززودوا لذلك بزاد التقوى قال الله عز وجل :(( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ))[البقرة: 197] .