أصحاب الأعراف

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ,سيدنا محمد وعلى آله وصحبه , أما بعد,
فإن الراجح في المراد بأصحاب الأعراف كما نقل عن السلف أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم , وخير مثال ذكروه لأولئك أنهم قوم قتلوا في سبيل الله في معصية آبائهم فمنعهم الله من الجنة بمعصية آبائهم ومنعهم النار قتلهم في سبيل الله , وقد ذكرت هذا لبعض الإخوان بمناسبة ذهاب بعض الشباب إلى العراق للجهاد مع عدم رضا آبائهم وأمهاتهم ,وشدة حاجتهم لهم , وأساهم وبكاهم ؛ بل ونحيبهم وتقطع قلوبهم, – والحال أن الجهاد في العراق فرض كفاية على غير أهل العراق كما يفتي بذلك رؤوس علماء اٍلاسلام في الأقطار ؛ لأن عجز أهل العراق عن إخراج العدو لا يعود لقلة العدد وإنما لقلة العتاد وضعف آلة الحرب؛ بل ينصح العلماء اليوم بعدم الذهاب إلى العراق لأمور رأوها من السياسة الشرعية – فلم تمر أيام حتى سمعت من ينكر علي هذا التفسير, ولا غرابة فالجهل هو المخيم على الربوع هذه الأيام , ولولا ذلك لما استطار الشر , وانتشر الغلو ,فأحببت أن أنقل طرفا من كلام المفسرين حول هذا الموضوع إسكاتا لتخرص المتخرصين , وقيل المتقولين,والله المستعان وعليه يتوكل المتوكلون. فأقول بعون من لا قوة إلا به ولا حول :

قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في زاد المسير: 3/ 205
“وفي أصحاب الأعراف قولان :
أحدهما :أنهم من بني آدم قاله الجمهور وزعم مقاتل أنهم من أمة محمد  صلى الله عليه وسلم  خاصة وفي أعمالهم تسعة أقوال:
أحدها :أنهم قوم قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم فمنعهم من دخول الجنة معصية آبائهم ومنعهم من دخول النار قتلهم في سبيل الله وهذا مروي عن النبي  صلى الله عليه وسلم  … “.

    قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره : 8/ 192 – 193
” … وقال آخرون كانوا قتلوا في سبيل الله عصاة لآبائهم في الدنيا :
ذكر من قال ذلك حدثنا بن وكيع قال ثنا يحيى بن يمان عن أبي مسعر عن شرحبيل بن سعد قال : هم قوم خرجوا في الغزو بغير إذن آبائهم .
حدثني المثنى قال ثنا عبد الله بن صالح قال ثني الليث قال ثني خالد عن سعيد عن يحيى بن شبل أن رجلا من بني النضير أخبره عن رجل من بني هلال أن أباه أخبره أنه سأل رسول الله عن أصحاب الأعراف فقال: ” هم قوم غزوا في سبيل الله عصاة لآبائهم فقتلوا فأعتقهم الله من النار بقتلهم في سبيله وحبسوا عن الجنة بمعصية آبائهم فهم آخر من يدخل الجنة “.
حدثني المثنى قال ثنا إسحاق قال ثنا يزيد بن هارون عن أبي معشر عن يحيى بن شبل مولى بني هاشم عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه قال سئل رسول الله عن أصحاب الأعراف فقال:” قوم قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم فمنعهم قتلهم في سبيل الله عن النار ومنعتهم معصية آبائهم أن يدخلوا الجنة”.

وقال الإمام ابن أبي حاتم في تفسيره : 5:/1484
8498 حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي ثنا يزيد بن هارون اخبرنا ابو معشر ثنا يحيى بن شبل عن ابن عبد الرحمن المزني يعني عمر عن ابيه قال : سئل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  عن أصحاب الأعراف قال: ” هم قوم قتلوا في سبيل الله في معصية آبائهم فمنعهم الله من الجنة بمعصية آبائهم ومنعهم النار قتلهم في سبيل الله “.

وقال الإمام السيوطي رحمه الله في الدر المنثور : 3/465
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  عن أصحاب الأعراف فقال : ” هم قوم قتلوا في سبيل الله وهم لآبائهم عاصون فمنعوا الجنة بمعصيتهم آبائهم ومنعوا النار بقتلهم في سبيل الله ” . وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده وابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن مالك الهلالي عن أبيه قال قائل : يا رسول الله ! ما أصحاب الأعراف ؟ قال : ” هم قوم خرجوا في سبيل الله بغير إذن آبائهم فاستشهدوا فمنعتهم الشهادة أن يدخلوا النار ومنعتهم معصية آبائهم أن يدخلوا الجنة فهم آخر من يدخل الجنة ” .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال : “أصحاب الأعراف قوم خرجوا غزاة في سبيل الله وآباؤهم وأمهاتهم ساخطون عليهم وخرجوا من عندهم بغير إذنهم فأوقفوا عن النار بشهادتهم وعن الجنة بمعصيتهم آباءهم ” .وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه من طريق محمد بن المنكدر عن رجل من مزينة أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  سئل عن أصحاب الأعراف فقال : “إنهم قوم خرجوا عصاة بغير إذن آبائهم فقتلوا في سبيل الله ” .

وقال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره : 2/217
” واختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف من هم وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم نص عليه حذيفة وابن عباس وابن مسعود وغير واحد من السلف والخلف رحمهم الله ,وقد جاء في حديث مرفوع رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه حدثنا عبد الله بن إسماعيل حدثنا عبيد بن الحسين حدثنا سليمان بن داود حدثنا النعمان بن عبد السلام حدثنا شيخ لنا يقال له أبو عباد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  عمن استوت حسناته وسيئاته فقال : “أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون ” وهذا حديث غريب من هذا الوجه ,ورواه من وجه آخر عن سعيد بن سلمة بن أبي الحسام عن محمد بن المنكدر عن رجل من مزينة قال: سئل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  عمن استوت حسناته وسيئاته وعن أصحاب الأعراف فقال : “إنهم قوم خرجوا عصاة بغير إذن آبائهم فقتلوا في سبيل الله ” وقال سعيد بن منصور حدثنا أبو معشر حدثنا يحيى بن شبل عن يحيى بن عبد الرحمن المزني عن أبيه قال: سئل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  عن أصحاب الأعراف قال: ” هم ناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم فمنعهم من دخول الجنة معصية آبائهم ومنعهم من النار قتلهم في سبيل الله ” ورواه ابن مردويه وابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن أبي معشر به وكذا رواه ابن ماجة مرفوعا من حديث أبي سعيد الخدري وابن عباس. والله أعلم بصحة هذه الأخبار المرفوعة وقصارها أن تكون موقوفة وفيه دلالة على ماذكر … ” .

وقال الإمام الشوكاني رحمه الله في فتح القدير :2:/207
” وقد اختلف العلماء في أصحاب الأعراف من هم فقيل: هم الشهداء ذكره القشيري وشرحبيل بن سعد, وقيل: هم فضلاء المؤمنين فرغوا من شغل أنفسهم وتفرغوا لمطالعة أحوال الناس ذكره مجاهد وقيل هم قوم أنبياء” .

وقال الإمام الفخر الرازي رحمه الله في التفسير الكبير: 14/73 – 74
“الوجه الثاني من الوجوه المذكورة في تفسير أصحاب الأعراف : قالوا المراد من أصحاب الأعراف أقوام خرجوا إلى الغزو بغير إذن آبائهم فاستشهدوا فحبسوا بين الجنة والنار .
واعلم أن هذا القول داخل في القول الأول لأن هؤلاء إنما صاروا من أصحاب الأعراف لأن معصيتهم ساوت طاعتهم بإجهاد فهذا أحد الأمور الداخلة تحت الوجه الأول وبتقدير أن يصح ذلك الوجه فلا معنى لتخصيص هذه الصورة وقصر لفظ الآية عليها” .

وانظر : ( تفسير مجاهد 1/ 237 ,البغوي : 2/ 162,المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 2/ 404 , القرطبي 7 / 112 , تفسير السمعاني 2/ 184, روح المعاني 8/ 124, وغير ذلك ).
قال أبو مجاهد عفى الله عنه وعن والديه : فظهربهذه النقول أن هذه صورة ظاهرة ومثال بين على أصحاب الأعراف في كلام السلف , تواتر نقله في كتب المفسرين , هذا إذا كان ذلك المجاهد قد قتل في سبيل الله ! فكيف إذا لم يكتب الله له الشهادة فأين يكون المصير ؟. فإن قال قائل: إنما أرادوا الخير, وهم يظنون أنهم على الحق وأن الجهاد فرض عين عليهم فهم متأولون. قيل له : كم من مريد للخير لا يدركه ( كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ), وليس الحق بحسب الاعتقاد وإلا لظفر به كل صاحب بدعة , وأما التأويل فما أكثر من ضل بسببه ! والـتأويل إن تمت شروطه ومنع المؤاخذة أو بعضها لا يعني بحال تسويغ عمل المتأول , ونحن على كل حال لا نحكم على معين – بدون دليل شرعي – بجنة ولا نار و لا حال غيبي , وما ذكرناه إنما هو من قبيل الوعيد العام ,والحكم المطلق , ولا بد من إطلاق ذلك ردعا للذين يقتحمون أبواب الخطر , ونعني خطر الآخرة لا الدنيا. أسأل الله أن يفقهنا في الدين, ويعلنا التأويل, وأن يرزقنا حسن الاتباع ,ويختم لنا بشهادة صدق لا ريب فيها ,فإنما هي نفس واحدة إذا أزهقت في غيرالسبيل السوي لن تعود.  وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

زر الذهاب إلى الأعلى