خطبة جريمة القتل أدلة تحريمها وأسبابها

لتحميل الخطبة صوتية

                         الخطبة الأولى

       إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

       أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

{ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ }[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٠٢].

{ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ٰ⁠حِدَةࣲ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالࣰا كَثِیرࣰا وَنِسَاۤءࣰۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِی تَسَاۤءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَیۡكُمۡ رَقِیبࣰا }[سُورَةُ النِّسَاءِ: ١].

{ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ اللهَ وَقُولُوا۟ قَوۡلࣰا سَدِیدࣰا (٧٠) یُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَـٰلَكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن یُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِیمًا (٧١) }[سُورَةُ الأَحۡزَابِ: ٧٠-٧١].

       أيها المسلمون عباد الله، لقد كثرت حوادث القتل في الآونة الأخيرة في مجتمعنا كثرة ظاهرة، كثر الهرج والمرج، واستحلت النفوس البريئة، واستخف بالدماء، وتجرأت الناس على الجرائم الشنيعة، وهذا وايم الله دال على تغير في النفوس، وفساد في المجتمع، ومنذر  بالفتنة والهلاك عياذاً بالله.

       واعلموا -عباد الله- أن قتل النفس المعصومة في الشريعة الإسلامية وديننا الحنيف جريمةٌ من الجرائم العظيمات، وكبيرةٌ من الكبائر الموبقات، وهاكم بيان ذلك من عشرة أوجه، عشرة أوجه تدلنا على عظم جريمة القتل في الإسلام، وأنها كبيرة من الكبائر وعظيمة من العظائم، أدلة من الكتاب والسنة تبين للغافل مدى خطورة هذه الجريمة:

▪الوجه الأول من الأوجه التي تدلنا على عظيم خطر القتل وشناعتها وشدة حرمتها في الإسلام: أن الله -عز وجل- عدّ في كتابه العزيز من قتل نفساً واحدة بغير نفس أو فساد في الأرض كمن قتل الناس جميعا، قال الله -تعالى-: { مِنۡ أَجۡلِ ذَ ٰ⁠لِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَیۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰا وَمَنۡ أَحۡیَاهَا فَكَأَنَّمَاۤ أَحۡیَا ٱلنَّاسَ جَمِیعࣰاۚ }[سُورَةُ المَائـِدَةِ: ٣٢].
    
فمن قتل نفساً واحدة ظلماً وعدواناً فهو كمن قتل الناس جميعا في الإثموالوزر، فما أعظمه من إثم! وما أعظمها من جريمة!

▪الوجه الثاني: أن الملائكة الكرام جعلوا -فيما حكى الله عنهم في كتابه العزيز- الفسادَ في الأرض وسفك الدماء أظهر صفة سيئة دالة على عدم أهلية البشر للاستخلاف في الأرض، قال الله -تعالى-: { وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ قَالُوۤا۟ أَتَجۡعَلُ فِیهَا مَن یُفۡسِدُ فِیهَا وَیَسۡفِكُ ٱلدِّمَاۤءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّیۤ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ }[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٣٠].

      فاستنكرت الملائكة أن يكون الإنسان خليفة في الأرض، وسيكون من الناس من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، وهو يفسد فيها ويسفك الدماء! لكن الله -عز وجل- أخبر الملائكة أنه يعلم ما لا يعلمون، يعلم -سبحانه وتعالى- أن في الناس أنبياء وأولياء وأخيار، فالبشر عندهم إرادة وفكر، وعندهم قابلية للتعلم والتعليم، قدرات تأهله للاستخلاف في الأرض، والوصول بذلك للصلاح والإصلاح، وبذلك استحق الإنسان أن يكون هو الخليفة في الأرض، وأما المفسدون والقتلة فهم أظهر من يفسد هذا الاستخلاف.

▪الوجه الثالث من الوجوه التي تدلنا على عظيم خطر القتل وجريمة القتل: أن الله-عز وجل- رتب القصاص على القتل العمد العدوان، قال الله -تعالى-: { یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِی ٱلۡقَتۡلَىۖ ٱلۡحُرُّ بِٱلۡحُرِّ وَٱلۡعَبۡدُ بِٱلۡعَبۡدِ وَٱلۡأُنثَىٰ بِٱلۡأُنثَىٰۚ فَمَنۡ عُفِیَ لَهُۥ مِنۡ أَخِیهِ شَیۡءࣱ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَاۤءٌ إِلَیۡهِ بِإِحۡسَـٰنࣲۗ ذَ ٰ⁠لِكَ تَخۡفِیفࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةࣱۗ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَ ٰ⁠لِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِیمࣱ }[سُورَةُ البَقَرَةِ: ١٧٨]. فحكم الله -عز وجل- على القاتل عمداً وعدواناً بالقتل؛ لأنه أجرم جريمة عظيمة، وأزهق نفساً بريئة معصومة، فلا يستحق هو بعدها أن يعيش.

▪الوجه الرابع : أن الله -عز وجل- توعد -في كتابه العزيز- مَن قتل مؤمناً متعمداً بخمس عقوبات عظيمة، فقال -سبحانه وتعالى-: { وَمَن یَقۡتُلۡ مُؤۡمِنࣰا مُّتَعَمِّدࣰا فَجَزَاۤؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَـٰلِدࣰا فِیهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَیۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِیمࣰا }[سُورَةُ النِّسَاءِ: ٩٣].

(فَجَزَاۤؤُهُۥ جَهَنَّمُ ) هذه واحدة.
(خَـٰلِدࣰا فِیهَا) هذه ثانية.
(وَغَضِبَ اللهُ عَلَیۡهِ) هذه ثالثة.
(وَلَعَنَهُ) هذه رابعة.
(وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِیمࣰا) وهذه خامسة.

▪الوجه الخامس: أن الله -عز وجل- توعد الذين يقتلون النفس بغير الحق بمضاعفة العذاب والإهانة يوم القيامة، للذين يقتلون النفس التي حرم الله، قال الله -تعالى-: { وَٱلَّذِینَ لَا یَدۡعُونَ مَعَ اللهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ وَلَا یَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِی حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا یَزۡنُونَۚ وَمَن یَفۡعَلۡ ذَ ٰ⁠لِكَ یَلۡقَ أَثَامࣰا (٦٨) یُضَـٰعَفۡ لَهُ ٱلۡعَذَابُ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَیَخۡلُدۡ فِیهِۦ مُهَانًا (٦٩) } [سُورَةُ الفُرۡقَانِ: ٦٨-٦٩]. والخلود إنما لمن جمع مع القتل الشرك. فهذه خمسة أوجه من القرآن.

▪الوجه السادس -عباد الله- مما يدلنا على عظيم جرم القتل: أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- جعل قتل النفس المعصومة من أعظم الكبائر الموبقات بعد الكفر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله َسَلَّمَ- قَالَ: ” اجْتَنِبُوا السَّبْعَ  الْمُوبِقَاتِ  “. قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: ” الشِّرْكُ بِاللهِ ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ “رواه البخاري ومسلم.

▪الوجه السابع: أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- أخبر أن المؤمن مهما عصى فهو في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراما، فعَنِ  ابْنِ عُمَرَ  -رَضِيَ الله عَنْهُمَا- قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله َسَلَّمَ-: ” لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا “. رواه البخاري.
لا يزال المؤمن في فسحة من دينه وإن عصى، وإن زنا، وإن سرق، فيمكنه أن يعود، ما لم يذهب بعيداً، ما لم يصب دماً حراماً، فُتح له باب الشر عياذاً بالله.

▪الوجه الثامن من أوجه تحريم القتل وتجريمه: أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- عد قتال المسلمين بغير حق كفراً، وفعلاً للكفار: فعن عَبْدِ اللهِ بن مسعود -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله َسَلَّمَ- قَالَ: ” سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ “. رواه البخاري ومسلم.

وعَنْ جَرِيرِ بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله َسَلَّمَ- قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: ” لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ “. رواه البخاري ومسلم.

▪الوجه التاسع الدال على عظيم جرم القتل: أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- جعل زوال الدنيا أهون من قتل النفس المسلمة، فعن عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- أن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله َسَلَّمَ-قَالَ: ” لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ “. رواه النسائي والترمذي. (لزوال الدنيا) الدنيا بما فيها سموات والأرض والجبال وكل شيء.

الوجه العاشر: أن الدماء هي أول ما يسأل عنه من حقوق الناس يوم القيامة، فعَنْ عَبْدِاللهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله َسَلَّمَ-: ” أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ “. رواه البخاري ومسلم.

أول ما يقضى ويحاسب عليه من حقوق الخلق الدماء، من قَتل سيُعرض أمام الله عز وجل، يعرض الناس بين يدي الله، ويحاسبهم الله سبحانه وتعالى على ذنوبهم، وأعظم ذلك عند الله في حقوق الخلق الدماء.

       تلك عشرة كاملة، تدلنا على عظيم إثم جرم القتل، وأن القتل جريمة فظيعة، كبيرة من الكبائر، وموبقة من الموبقات، أعظم جريمة بعد الكفر، هذه هي منزلة القتل، قتل النفس المعصومة، النفس البريئة، فهل علمتم -عباد الله- ديناً يعظم الدماء، ويشدد في شأن قتل النفوس كالإسلام؟ فعلام يا أهل الإسلام تتجرؤون على القتل؟! قال الله -عز وجل-: { وَلَا تَقۡتُلُوا۟ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِی حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومࣰا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِیِّهِۦ سُلۡطَـٰنࣰا فَلَا یُسۡرِف فِّی ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورࣰا }[سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ٣٣] .

        بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

                     الخطبة الثانية

       الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

        أما بعد، أيها المسلمون عباد الله، اتقوا الله حق تقواه. عباد الله، إن لجرائم القتل أسباباً أدت إلى هذه الجرائم، ما هي هذه الأسباب؟ لابد أن نعرف هذه الأسباب، وأن نقف عليها؛ حتى نجتنبها، وحتى نحذر منها، كي لا نقع في جريمة القتل.

         فمن أعظم أسباب القتل: الحسد والتنافس في الدنيا، أن يحسد الإنسان الإنسان، أن يحسد الإنسان أخاه على شيء من الأشياء، أو أن ينافسه على شيء من الأشياء الدنيوية، وهذا هو أول أسباب القتل في الدنيا، حسد قابيل هابيل ونافسه على الدنيا فقتله، وينبغي أن يعلم هذا الحاسد والمنافس على الدنيا، والقاتل من أجل الدنيا أن القتل لا يؤدي إلى الغاية التي يطلبها، بل يؤدي إلى عكس ذلك. ﴿فَطَوَّعَت لَهُ نَفسُهُ قَتلَ أَخيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصبَحَ مِنَ الخاسِرينَ﴾ [المائدة: ٣٠].

القتل لا ينتج خيراً، ولا يعطيك ما تطلب، ولا يوصلك إلى ما تقصد، بل يأتيك بالخسران والعاقبة السيئة عياذاً بالله، ومن هذا القبيل التصفيات السياسية، هي فرع من فروع التنافس على الدنيا بين الأحزاب والقوى، والنتيجة -عباد الله- كما قال الأول في الحكمة: (بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين).

       ومن أسباب القتل: تسلسل الجرائم، أن تتسلسل الجرائم وتجر بعضها بعضا، يقع الإنسان في جريمة الخمر والمسكرات، وتحمله على الزنا، ويحمله الزنا على القتل كما في قصة بَرَصيصَا، الشيطان يسلسل الجرائم للناس، جر العابد لشرب الخمر، وجره شرب الخمر للزنا، وجره الزنا من أجل أن يستر نفسه إلى القتل، وهذا سبب من أعظم الأسباب المنتشرة، ومن أعظم أسباب ذلك التسلسل في المعاصي هو الصحبة السيئة، والانخراط في العصابات المفسدة، فلنحذر كل الحذر من الصحبة السيئة، ومن هذه العصابات المفسدة، فإن أفعالها تجر إلى الجريمة وإلى القتل عياذاً بالله.

       ومن أسباب القتل: الثأر والانتقام، وهذا فرع من تسلسل المعاصي، والمعصية تجر المعصية، يَقتل من أجل أن يأخذ بثأره، ومن أجل أن ينتقم من عدوه وقاتل وليه، وما هي النتيجة؟ الثأر يجر إلى الثأر، والانتقام يجر إلى الانتقام، ويبقى الناس يعيشون في خوف وذعر وعدم أمان، وتُقتل الحياة، ويُقتل المجتمع.

       ومن أسباب جريمة القتل: المسكرات والمخدرات التي تذهب بالعقل، فإذا ذهب العقل فلا شيء يمنع الإنسان من فعل الجرائم، والعقل ما سمي عقلاً إلا لأنه يعقل الإنسان ويقيده بالعقال، ويمنعه من المعاصي والدنيا، فإذا ذهب ذلك العقل العاقل الحافظ فتح على الإنسان باب الشر عياذاً بالله. خطر المسكرات والمخدرات عظيم جداً بل تؤدي المسكرات والمخدرات إلى قتل أقرب الأقرباء، والشبو شأنه معروف، يقتل الشاب أباه وأمه وإخوانه، ثم إذا صحى كيف سيكون حاله؟! ولكنه هو الذي جنى على نفسه عياذاً بالله. فلابد من محاربة هذه المسكرات والمخدرات، التي حرمها الله -عز وجل- تحريماً عظيماً ﴿إِنَّما يُريدُ الشَّيطانُ أَن يوقِعَ بَينَكُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ فِي الخَمرِ وَالمَيسِرِ وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَل أَنتُم مُنتَهونَ﴾ [المائدة: ٩١].

       ومن أسباب القتل: الاستسلام للغضب، خلق الغضب هذا الخلق الكريه الذي يُسكر الإنسان أيضا، ويغلق عقله، إذا استسلم الإنسان للغضب انفلت وفعل ما لا يريد أن يفعل؛ لأنه سلّم نفسه للغضب. (لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب). هذه كانت وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقال الحبيب -صلى الله عليه وآله وسلم-: ” لَيْسَ الشَّدِيدُ  بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ “.

ليس الشديد الرجل القوي الذي يصرع الرجال، لكن من هو الشديد؟  الشديد الشدة العظيمة والقوي القوة الكاملة الحقيقية هو الرجل الذي يملك نفسه عند الغضب، عندما يقع عليه الغضب يملك نفسه، ويتأخر ولا يتعجل، الغضب يجر إلى العجلة، والعجلة من الشيطان كما قال الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-: ” الْأَنَاةُ مِنَ اللهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ “. 

       ومن أسباب القتل: الفكر التكفيري، أن يعشعش الفكر التكفيري في نفوس بعض الناس، تدخل عليهم لوثة تكفيرية، فكر منحرف، يجعلون كفراً ما ليس بكفر، ويحكمون على الناس بالكفر، ويستحلون دماءهم وأموالهم، وهؤلاء هم الخوارج الذين يخرجون على الناس، ويستحلون دماءهم، سواء كانوا ممن ينتسبون إلى السنة، أو كانوا من الشيعة الذين يكفرون ويستحلون الدماء.

       ومن أسباب جريمة القتل: الخطاب التحريضي على المنابر الإعلامية، خطاب تحريضي على المنابر الإعلامية، سواء كانت منابر مساجد، أو منابر صحف، أو منابر إذاعة أو تلفاز، أو منابر مواقع التواصل الاجتماعي، هذا الخطاب التحريضي يأتي من عدة جهات، سواء من جماعات إسلامية، أو من طوائف مختلفة، أو من قبائل متنازعة، أو من أحزاب متنازعة، والخطاب التحريضي هذه الأيام قائم على أوجه، خطاب تحريضي يحرض البعض على الآخر، مما يؤدي إلى النفرة، والسباب، والشقاق، واللعان، والقتل، والاستحلال للدماء.

      ومن أسباب القتل -عباد الله-: فساد القضاء والقضاة، وعدم إقامة العدل، مما يؤدي إلى أن يأخذ الإنسان حقه بيده، فيقع في القتل، ويفتح على نفسه باب الشر.

       ومن أسباب الجرائم: عدم قيام أو ضعف قيام المؤسسات الأمنية بدورها في المجتمع، إذا ضعف دورها في الأمن والمحافظة على الأمن فإن ذلك يؤدي إلى القتل، ويؤدي إلى الجرائم، ومن أسباب ذلك تهاون وتأخر الإدارات التنفيذية في الدولة والنيابة، تأخرهم أو تخلفهم عن القيام بالعقوبات الزاجرة على المجرمين، يجرم المجرم ويقتل ولا تقام عليه العقوبة، تتأخر العقوبة، يتأخر القضاء، وتتأخر العقوبة، فيتجرأ الناس على الجريمة عياذاً بالله.

       هذه جملة من أسباب هذه الجرائم، علينا أن نسعى كلنا لنحارب هذه الأسباب، ولنوقف هذه الأسباب، ولنصد الأبواب على هذه الأسباب، العلماء، والدعاة، والموجهون، والمثقفون، والمربون، والمعلمون، والقوات الأمنية، والقضاة، والنيابة، والإدارات المحلية، كلٌّ يجب عليه أن يقوم بدوره؛ من أجل أن نقف أمام هذه الجرائم الفظيعة التي حرمها الله -عز وجل- أعظم تحريم.

       عباد الله، أسأل الله -سبحانه وتعالى- لنا ولكم الأمن والأمان! أسأل الله -سبحانه وتعالى- لوطننا وسائر أوطان المسلمين الأمن والأمان، وأن يبعدنا عن كل الجرائم والمصائب! اللهم خذ بأيدينا إلى كل خير! اللهم خذ بأيدينا إلى كل خير!

       اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات! اللهم اغفر لآبائنا، وأمهاتنا، ومشايخنا، ومعلمينا، ومن له حق علينا! اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا! اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا أبداً ما أبقيتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا يا رب العالمين! ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار!

      وصلوا وسلموا على من أمركم الله -عز وجل- بالصلاة والسلام عليه، فقال: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦].

اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميد مجيد! اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميد مجيد!

عباد الله، إنَّ الله يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء، والمنكر، والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون 

زر الذهاب إلى الأعلى