رسالة إلى الذين يشاهدون الأفلام الإباحية

هل هناك كفارة على من يشاهد الأفلام الإباحية في نهار رمضان ؟ هكذا ورد علي السؤال !
وهذا السؤال يثير في نفسي مشاعر مختلفة ومتناقضة ! يثير في نفسي شعور بالحزن والأسى لحال شباب الأمة ، وما وصلوا إليه من تردي في حمأة الرذيلة ومستنقع الشهوة المحرمة ، حيث ولغوا في هذه الحمأة وأوغلوا حتى وصلوا إلى حد انتهاك حرمة الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك الذي تصفد فيه مردة الشياطين ، وتفتح فيه أبواب الجنان ، وتغلق فيه أبواب النيران ، وينادى في أول ليلة منه : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، ولسان حال هؤلاء الشباب : نحن من بغاة الشر ولن نقصر ، فيشاهدون فيه ، وفي نهاره هذه الأفلام القذرة التي تسلب الدين  ولا تعطي الدنيا ، بل إنها تزيد من لهب الشهوة في هذه الأجساد المتهالكة ، وتؤرق النفوس وتظمئ الأفئدة لمشاهدة المزيد ، والنتيجة ، إقلاق للنفوس ، وإضراب للعقول ، وإرجاف للقلوب ،وحسرة منقطعة النظير  ، فهذه الحال تورث في قلوبنا الأسى والحزن على شباب الأمة .
وأما المشاعر المقابلة فهي مشاعر الفرح والأمل، الفرح بأن شبابنا لا تزال فيهم بقية من خير ، ولا يزال في قلوبهم بقايا من إشراقة نور ، وبقايا من إيمان يؤرق نفوسهم ، ويجلد قلوبهم بسياط من لهب ، ويدفع بهم للبحث عن المخرج من هذه الورطات التي يقعون فيها ، فتأتي مثل هذه الأسئلة الدافئة الخجولة : ما حكم من يشاهد الأفلام الإباحية في نهار رمضان؟ هل هناك كفارة على من يشاهد الأفلام الإباحية والمقاطع الإباحية في نهار رمضان؟ وهذا بدون شك يبعث الأمل في نفوسنا لإمكان صلاح هؤلاء الشباب ، كيف لا وهم من أبناء المسلمين ؟ كيف لا وهم أحفاد عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد والقعقاع والمثنى وطارق رضي الله عنهم ، من أحفاد أسد الجبال ، وليوث الصحارى الذين لم يكن لهم هم غير  نصر الإسلام ، ولم تكن شهوتهم إلا الموت في سبيل الله ، أحفاد الأبطال الذين كانت هممهم تناطح السحاب ؛ بل تجاوزته إلى ما فوق السموات السبع ، إلى جنة عرضها السموات والأرض ، فكيف ضحك الشيطان على هؤلاء الشباب ؟ كيف استعبدهم وسلبهم حريتهم وقعد بهم عن الهمم العالية والقمم الشامخة  ليرديهم في هوة سحيقة ويعلق قلوبهم بالعورات وما سفل ؟ ما أعظم فتكه بهم ! بل ما أعظم انقيادهم له! فالشيطان ليس له سلطان إلا على من انقاد له وتولاه ، قال الله عز وجل :(فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون)النحل .
فاتقوا الله يا أبناء المسلمين ، كيف هان عليكم ركن الصيام ؟ وهو الركن الرابع من أركان دينكم ، كيف هان عليكم أن تهدموه ،وأن تنتهكوا حرمته بارتكاب المحرم فيه ؟ فإن مشاهدة الأفلام الجنسية تجر لارتكاب العادة السرية فيفطر الشاب المسلم في نهار رمضان بارتكاب المحرم ، وهو ينكر في نفسه على الذين يفطرون في نهار رمضان فيأكلون فيه أو يشربون قصدا بلا عذر ، ينكر على هؤلاء ويعلم فظاعة العمل الذي ارتكبوه ، إنهم ينتهكون حرمة الشهر فلا يتقوب الرب ، ولا يحترمون العرب ، ولا ينتبه – لأنه في سكرة الشهوة- أنه يفعل ما هو أسوأ من فعلهم ؛ لأنهم يفطرون بالحلال وهو يفطر بالحرام ، ما أقبح ما يفعل الشيطان بهؤلاء ! ألا يستيقظون من غفلتهم؟
بل لو لم يكن الزمان هو رمضان أين إيمان هؤلاء الشباب وعقيدتهم بعلم الله بهم ومعرفته بحالهم ورؤيته لأفعالهم وسماعه لأقوالهم ؟ فالله عز وجل (لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) و الله عز وجل ( يعلم السر وأخفى) و(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولاخمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة، إن الله بكل شيء عليم )
فالمؤمن يؤمن بعلم الله به واطلاعه على أفعاله وأقواله ، وإنما يجحد ذلك الكافر الذي يظن بالله ظن السوء لجهله بربه قال الله عز وجل عنهم ( ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين ) ، فإذا كان المؤمن يؤمن باطلاع الله عليه ونظره إليه كيف يستخف به ويجعله أهون الناظرين إليه؟ فهذا العاصي لو علم أن طفلا له من العمر ثلاث سنوات ينظر إليه وهو يرتكب المعصية لاستحيا منه ، وانتفض واضطرب لأن مخلوقا اطلع عليه وهو يرتكب المعصية ! فهل الخالق أهون عنده من هذا الطفل الذي لا يعقل ؟ أو أنه لا يؤمن أصلا باطلاع الله عليه ؟ لا أعتقد ذلك ولكني أعتقد جازما أن الشيطان سخر منه حتى جعل الله أهون الناظرين إليه ،بدلا من يكون الله عز وجل في قلبه ونفسه هو أعظم الناظرين إليه ،وأحقهم بالحياء منه.
كم هو سخيف هذا العقل ؟ وكم هي غبية هذه النفس التي ترتكب حماقة المعصية على مرأى ومسمع من الله عز وجل ، ثم ماذا في هذه العصية ؟ لذة عابرة وألم دائم ، ووالله إن اللذة التي يجدها القلب وتستمتع بها النفس من جراء فعل الطاعة وترك المعصية من أجل الله عز وجل إن اللذة التي يجدها العبد على إثر ذلك لأعظم بآلاف المرات من لذة المعصية التي يعقبها الألم وتأنيب الضمير والبحث عن مخارج وكفارات .
إن المخرج يا أبنائي في التوبة النصوح ،وطلب السعادة بالقرب من الله تعالى، والكفارة في الإقلاع عن المعصية وتبديلها بالحسنات الماحية ،قال الله عز وجل :( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ، وكان الله غفورا رحيما )هل وجدتم قط في حياتكم عرضا كهذا العرض ؟ فالله عز وجل يعرض عليكم إذا تبتم توبة صادقة أن يبدل سيئاتكم التي تقلق نفوسكم إلى حسنات ! فأي جهل وأي حماقة أعظم من عدم القبول بهذا العرض ،والمسارعة بالتوبة وعمل الصالحات؟

زر الذهاب إلى الأعلى