خطبة العمرة وأحكام الإحرام

لتحميل الخطبة صوتية

الخطبة الأولى

إنَّ الحمدلله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهدِه الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له. وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.

        أما بعد، فإنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و آله وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار .

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].

﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا﴾ [النساء: ١].

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا۝يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠-٧١].

        عباد الله، إنّ من أعظم الفرائض والعبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله -عز وجل- عبادة العمرة، فماهي العمرة؟ وماحكمها؟ ومافضلها؟ وكيف يُحرم المسلم بها؟

العمرة -عباد الله- هي في اللغة العربية: بمعنى الزيارة، أو الزيارة إلى مكان عامر.

وأما في الشرع: فالعمرة هي زيارة بيت الله الحرام، وأداء مناسك ليس منها الوقوف بعرفة. العمرة: الإحرام، والطواف، والسعي، والحلق أو التقصير.

        والعمرة واجبة مرة في العمر بأصل الشرع، هذا هو مذهب الإمام الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى، أن العمرة واجبة، ومما يدل على أن العمرة واجبة الحديث عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: ” نَعَمْ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ؛ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ “. رواه ابن ماجه.

(عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ) أي مفروض عليهن، و”على” تفيد الوجوب.
(عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ) ولكنّ هذا الجهاد الذي عليهن ليس كجهاد الرجال، وإنما جهاد لا قتال فيه؛ الحج والعمرة، فنصَّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- على أن العمرة واجبة.

وفي الحديث عَنْ أَبِي رَزِينٍ العقيلي رضي الله عنه، أنه قال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ. قَالَ : ” احْجُجْ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ “. رواه أصحاب السنن. وغيرها من الأدلة الدالة على فرضية العمرة.

       والعمرة عبادة عظيمة، تُقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وتكفر السيئات، وترفع الحسنات، وفي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ” الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ “. رواه البخاري ومسلم. وقال -صلوات ربي وسلامه عليه-: ” [الحج والعمرة] يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ الْخَبَثَ “. رواه أحمد.

فالعمرة من أعظم مايكفر الذنوب، إذا اعتمر المسلم كفّر الله -عز وجل- ذنوبه، وإذا اعتمر ثانياً كفّر الله -عز وجل- ما بين العمرة والعمرة من الذنوب، فقد قال -صلى الله عليه وآله وسلم- : ” تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ بَيْنَهُمَا تَنْفِي الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ “. رواه ابن ماجه. فعلينا -عباد الله- أن نحرص على هذه العبادة أعظم الحرص.

         وإذا أراد المسلم أن يعتمر، فعليه أن يتعرف على أفعال العمرة، وعلى مراتبها، فأفعال العمرة وأعمالها على ثلاث رتب: منها أركان، ومنها واجبات، ومنها سنن.

  • الأركان: هي التي لا تتم العمرة إلا بها، وإذا سقط شيء منها لم تصح العمرة، ولم تقبل، ولم تتم عند الله سبحانه وتعالى.

وأركان العمرة أربعة: الإحرام، والطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير.

▪الركن الأول: الإحرام، وهو نية الدخول في النسك، أن ينوي المسلم بقلبه أن يدخل في النسك، قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: “إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ”.

فلاتصح عبادة إلا بنية، ومن ذلك العمرة، لاتصح العمرة إلا بالنية، فالإحرام هو النية بالقلب، أن ينوي المسلم الدخول في العمرة.

▪والركن الثاني: الطواف، قال الله -عز وجل-:﴿… وَليَطَّوَّفوا بِالبَيتِ العَتيقِ﴾ [الحج: ٢٩].

▪والركن الثالث: السعي بين الصفا والمروة، جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- خطب الناس، فقال: ” اسْعَوْا، إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ “. رواه أحمد.

▪وأما الركن الرابع: فهو الحلق أو التقصير من الشعر، قال الله -سبحانه وتعالى-:﴿… مُحَلِّقينَ رُءوسَكُم وَمُقَصِّرينَ لا تَخافونَ…﴾ [الفتح: ٢٧].

        • وأما واجبات العمرة: فليس للعمرة إلا واجب واحد، وهو الإحرام من الميقات، أي أن يكون إحرام المسلم من الميقات المكاني، وأما الميقات الزماني للعمرة فالسَّنة كلها ميقات، تصح العمرة في أي وقت من السنة، إلا إذا كان المسلم مُحرما بحجة أو عمرة، فلايدخل الإحرام على الإحرام، أو إذا كان المسلم في منى أيام الحج بعد التحللين، فلاتحل له العمرة، وما سوى ذلك من الزمن تحل فيه العمرة.

        وأما الميقات المكاني، فثمَّة مواقيت للحج والعمرة وقتها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لايجوز للمسلم أن يتجاوزها إلا محرما، يجوز له أن يحرم قبلها بإجماع المسلمين، ولكنه لا يحل له أن يتجاوزها إلا محرما، فهذا واجب العمرة، أن يحرم قبل أن يتجاوز الميقات، فإن تجاوز الميقات وهو يريد العمرة أو الحج فعليه دم، إلا أن يرجع إلى الميقات.

        وميقات أهل اليمن يلملم، وهو مايسمى اليوم السَّعدية، وإذا جاءوا من الطريق العليا فميقاتهم ميقات أهل نجد(قَرْن)، وهو مايسمى اليوم السيل الكبير، وكذلك يكون الميقات ما جاء عليه المسلم من أي جهة، فإذا جاءوا من جهة الرياض فميقاتهم السيل الكبير، وإذا جاءوا من جهة المدينة فميقاتهم ميقات أهل المدينة (ذو الحُلَيفة)، وهو مايسمى اليوم أبيار علي، هذا للذي يريد العمرة ممن يأتي من الآفاق، من خارج المواقيت.

وأما إذا صار المسلم في مكة، وأراد أن يُحرم بالعمرة مرة ثانية، فميقاته الحِلُّ، أن يخرج من الحَرم، ويُحرم من الحِلِّ، وأفضل ذلك أدنى الحِلِّ وأقربه، و الناس تُحرم اليوم من التنعيم، من مسجد عائشة رضي الله عنها، وذلك أدنى الحِلِّ، فإذا أراد المسلم أن يُحرم بالعمرة وهو بمكة، لابد أن يخرج إلى الحِلِّ كمسجد عائشة، فيُحرم من هناك.

إذن هذا هو واجب العمرة، ألا يتجاوز الميقات إلا وقد أحرم بالعمرة، ومما يخطئ فيه الناس أنهم يتجاوزون الميقات من دون إحرام، ويذهبون إلى جدة، ثم يحرمون من جدة، وجدة ليست ميقاتا، وأخطأ من جعلها ميقاتا، فمن تجاوز الميقات وهو يريد العمرة أو الحج ولم يُحرم، فعليه أن يرجع إلى الميقات، ويُحرم من الميقات، وإن كان قد أحرم فعليه أن يرجع إلى الميقات قبل أن يتلبس بشيء من أعمال العمرة، فإذا تجاوز الميقات ولم يُحرم منه، وباشر شيئاً من أعمال العمرة فعليه دم؛ لأنه ترك الواجب، لأن ترك الواجب لايبطل العمرة، لكنه يُوجب الدم ليجبر العمرة.

       • وأما سنن العمرة -وهي المرتبة الثالثة من أفعال العمرة- فهي كثيرة، وكل ما يأتي في صفة العمرة من الأفعال والأقوال مما سوى الأركان، ومما سوى هذا الواجب فهي سنن، وهي كثيرة.

هذه أعمال العمرة عباد الله، وأول أركان العمرة وأركان الحج هو الإحرام، والإحرام في حقيقته نية الدخول في النسك، أن ينوي المسلم بقلبه أن يدخل في النسك، فإذا أراد ان يحرم بالعمرة يقول في قلبه: نويت العمرة، أو نويت الدخول في العمرة. والنية محلها القلب، وقال بعض الفقهاء: يتلفظ بما يقول في قلبه، فيقول بلسانه: نويت العمرة، وأحرمت بها لله تعالى. وإذا كانت العمرة عن الغير يقول في قلبه: نويت العمرة عن فلان لله تعالى. أو نويت العمرة عن فلان، وأحرمت بها لله تعالى.

        والإحرام له آداب ومستحبات، وله محظورات ومحرمات، فأما المستحبات والآداب التي يجب أن يكون عليها المسلم قبل الإحرام فكثيرة منها:

▪التنظف قبل الإحرام: أن يتنظف المسلم قبل أن يحرم، وذلك يعني أن يأتي بما يمكن أن يؤتى به من سنن الفطرة، أن يتنظف فيحلق العانة، وينتف الإبط أو يحلقه إن شاء، ويقصر الشارب، ويقص الأظافر، ويأتي بما استطاع من سنن الفطرة، هذا هو التنظف.

▪ثم السنة الثانية: أن يغتسل بنية الإحرام، وهذه السنة تستحب لكل مُحرم ومُحرمة، حتى المرأة التي قد حاضت تُحرم، ولايمنع الحيض الإحرام، وتغتسل بنية الإحرام.

▪والسنة الثالثة -من سنن الإحرام-: التطيب في البدن دون الثوب، أن يتطيب مريد الإحرام بالعمرة أو الحج، يجعل الطيب في رأسه، كما كان النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يتطيب في رأسه، وجعلت عائشة -رضي الله عنها- الطيب والمسك في مفرق رأسه. ويتطيب في باطن لحيته وإبطيه، والمواضع التي لا يصل منها الطيب إلى ثيابه، وهذه سنة من سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يتطيب الرجل والمرأة، ولايتطيبون في ثياب الإحرام، فإن ذلك مكروه، يُكره للمسلم مريد النسك أن يتطيب في ثيابه، هذه هي السنة الثالثة من سنن الإحرام.

▪ثم يسن للرجل أن يلبس ثوبين أبيضين نظيفين، فيُحرم فيهما بعد أن يتجرد من الثياب المحيطة المخيطة، والتجرد من الثياب واجب من الواجبات، فإذا تجرد من ثيابه لبس ثوبين أبيضين نظيفين، وهذه سنة، ولا يجب أن تكون ثياب الإحرام بيضاء، ولكن ذلك من السنن.

▪ومن سنن الإحرام: أن يصلي المُحرم ركعتين بنية الإحرام، فيُحرم بعد صلاة، إن كان قد صلى الفرض فيُحرم بعد الفرض، ويكفيه ذلك، فيصلي الفرض الذي حضره في الميقات ثم يُحرم بعده، وإن لم يكن صلى فرضاً فإنه يُسن له أن يصلي ركعتين للإحرام؛ حتى يقع الإحرام بعد صلاة.

▪ثم من سنن الإحرام -بعد الإحرام ومع الإحرام-: الاستهلال والتلبية، أن يسمي نسكه، وأن يلبي بالنسك.

▪ومن سنن الإحرام: أن يقع الإحرام بعد الركوب في المركوب، وبعد الانطلاق والسير، يجوز الإحرام قبل ذلك، ولكن ذلك هو السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا أتم المسلم آداب الإحرام ومستحبات الإحرام أحرم بعدها.

كيف يُحرم المسلم بالعمرة؟

إذا أتم سنن الإحرام ومستحبات الإحرام يقول في قلبه: نويت العمرة، أو نويت الدخول في العمرة. وإن كان عن غيره يقول: نويت الدخول في العمرة عن فلان بن فلان.

ويُستحب أن يُهل بالعمرة مع التلبية فيقول: اللهم لبيك عمرة. وإن كان لغيره يقول: اللهم لبيك عمرة عن فلان.

▪ثم يُسن له -وهذه من سنن العمرة العظيمة- أن يلبي بالتلبية المعروفة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لاشريك لك. ويكثر من التلبية، ويرفع بها صوته، ففي الحديث أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ” أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ أَصْحَابَكَ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ “.

ويكثر المسلم -بعد الإحرام- من الدعاء وقراءة القرآن، ويحرص على أن يكون على طاعة، بعيداً عن المعصية، وبعيداً عن الرفث، والجدال، والباطل، وكل مكروه.

أسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا وإياكم من أهل العبادة، ومن أهل العمرة والحج، تقبل الله منا ومنكم!

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

       

الخطبة الثانية

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

        أمابعد، أيها المسلمون عباد الله، اتقوا الله حق تقواه. عبادالله، وإذا أحرم المسلم بحج أو عمرة حرمت عليه أشياء، تسمى محرمات الإحرام ومحظورات الإحرام، وما سمي الإحرام إحراماً إلا لأنه يدخل في وقت الحرمة، أحرم أي دخل في موضع الحرمة، فإذا أحرم المسلم حرمت عليه عشرة أشياء، تسمى محظورات الإحرام ومحرمات الإحرام.

  • المحظور الأول والمحرم الأول من المحظورات مايتعلق باللباس : يحرم على الرجل -المعتمر أو الحاج أو القارن بين الحج والعمرة- بعد الإحرام أن يلبس الثياب المحيطة، التي تحيط بكل البدن، أو بعضو من أعضائه: كالثوب، والسراويل، والقَرْمَة، والشّمِيز، والعمامة، والقلنسوة ونحو ذلك، ويحرم عليه أن يلبس الخفين، وكل ما كان من الأحذية يغطي الأصابع أو الكعبين، كل ذلك يحرم عليه.

▪ويحرم على المحرم من الرجال أن يغطي رأسه.

▪ويحرم عليه كذلك على الراجح أن يغطي وجهه، على قول الأئمة الثلاثة، خلافاً لمذهب الشافعي، عليهم رحمة الله أجمعين، فالراجح قول الجمهور أنه يحرم عليه أيضاً أن يغطي وجهه مع رأسه.

▪وأما المرأة فلا يحرم عليها أن تلبس الثياب المحيطة المخيطة، وإنما يحرم عليها من الثياب أن تلبس القفازين، ويحرم عليها أن تنتقب، كما قال الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-: “وَلَا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ”.

وإذا أرادت المرأة أن تغطي وجهها من الأجانب، فعليها أن تضع شيئاً على رأسها، يجعل الغطاء بعيداً عن وجهها، ولايمس بشرة الوجه، ومن ذلك أن تلبس الطربوش الذي له مقدمة، فتجعل الغطاء فوقه لا يمس وجهها.

  • والمحظور الثاني من محظورات الإحرام: الطيب، فالمحرم لايمس طِيباً بإجماع المسلمين، لا يتطيب، فلايمس طِيبا، ولايرش طِيبا، ولا يتبخر بعود، وهذا عام في الرجل والمرأة، قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في المحرم الذي وقصته ناقته فمات: “وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا… فَإِنَّ اللهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا “.

ويدخل في ذلك كل ماهو مطيَّب من الصَّوابين، والمناديل المطيَّبة، ونحو ذلك من الدهون المطيَّبة، كل ذلك يحرم على المحرم، فهي من محظورات الإحرام.

  • ومن محظورات الإحرام: الدهن في الشعر واللحية وشعور الوجه، وأما الدهن غير المطيَّب في سائر البدن فلاحرج فيه، أن يدَّهن بزيت الزيتون، أو السليط، أو النارجيل، مما ليس بمطيَّب في يديه ورجليه فلا حرج عليه، وإنما المحرم أن يدهن شعر رأسه، وشعر لحيته، وشعور وجهه: كالحاجبين، وشعور العينين.
  • ومن محظورات الإحرام: قص الشعر في الرأس، واللحية، وفي كل البدن، ولو بعض شعرة، قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: ﴿… وَلا تَحلِقوا رُءوسَكُم حَتّى يَبلُغَ الهَديُ مَحِلَّهُ…﴾ [البقرة: ١٩٦].
  • ومن محظورات الإحرام: قلم الظفر، ولو بعض ظفر من أظافر اليدين والرجلين، بإجماع المسلمين.
  • ومن محظورات الإحرام: المباشرة للمرأة فيما دون الفرج بلمس أو تقبيل أو ضم، والاستمناء، كل هذه من محظورات الإحرام .

وهذه المحظورات الستة إذا وقع المسلم في شيء منها وجبت عليه فدية الأذى:
▪ أن يذبح (دم).
▪ أو أن يصوم ثلاثة أيام.
▪أو أن يطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع.

وعلى المسلم إذا وقع في شيء من ذلك أن يسأل أهل العلم، بل عليه أن يسأل أهل العلم قبل أن يقدم على الأشياء، قال الله -سبحانه وتعالى-: ﴿…فَاسأَلوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمونَ﴾ [النحل: ٤٣].

  • ومن محظورات الإحرام وهو أعظمها: الجماع، أن يجامع الرجل زوجته، أو أن يجامع الرجل بالحلال أو بالحرام، فإذا جامع قبل التحلل الأول فسد حجه، وفسدت عمرته، وعليه القضاء، وعليه الكفارة العظمى وهي:
    ▪أن يذبح جملاً، فإن لم يجد
    ▪ فبقرة، فإن لم يجد
    ▪ فسبعاً من الشياه، فإن لم يجد
    ▪دفع قيمة الناقة طعاما، فإن لم يجد
    ▪ صام بعدد أمداد ذلك الطعام.
    كفارة عظيمة.
  • ومن محظورات الإحرام: عقد النكاح، فالمحرم لايَنكِح ولايُنكِح، لايتزوج، لا يكون من العاقدَين لا زوجاً ولا زوجة، ولا يُنكِح غيرَه بولاية، ولا بوكالة عن ولاية، فإن عقد المحرم بطل عقده، إذا عقد المحرم فعقده باطل لايصح، وليس عليه كفارة، وإنما الإثم وبطلان العقد.
  • ومن محظورات الإحرام صيد البر: ﴿… لا تَقتُلُوا الصَّيدَ وَأَنتُم حُرُمٌ …﴾ [المائدة: ٩٥]. وقال -سبحانه وتعالى-: ﴿أُحِلَّ لَكُم صَيدُ البَحرِ وَطَعامُهُ مَتاعًا لَكُم وَلِلسَّيّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيكُم صَيدُ البَرِّ ما دُمتُم حُرُمًا…﴾ [المائدة: ٩٦]. فإذا اصطاد المسلم صيداً من البر وجب عليه مثله إن كان له مثل، ووجبت عليه قيمته إن لم يكن له مثل، ﴿… وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُتَعَمِّدًا فَجَزاءٌ مِثلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ …﴾ [المائدة: ٩٥]. الآية.
  • ومن محظورات الإحرام: أن يقطع المحرم شيئاً من شجر الحرمين، أو شيئاً من عشبه، فإن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ” لَا يُخْتَلَى
    خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا”. أي مكة. وقال -صلى الله عليه وسلم-: ” إِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ”. ولهذا يسميان الحرمان، الحرم المكي والحرم المدني؛ لأنه يحرم أن تصيد فيهما، ويحرم أن تقطع شيئاً من شجرها أو من عشبها.

هذه عشرة محرمات على المحرم، وعلى المسلم إذا اعتمر أو حج أن يكثر من سؤال أهل العلم وأهل الخبرة، إذا أراد أن يفعل شيئاً يسأل، إن كان معه طالب علم فيسأله، أو يسأل المشرف على الحملة، فإما يدله بنفسه، أو يدله على من يدله، ومن يبين له، ويشرح له، ويهديه، ولا ينبغي للمسلم أن يقدم على الأفعال جهلا، فيقع في المحظور.

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ييسر لنا ولكم العمرة والحج، وأن يجعلنا من المقربين إليه!

اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، وتب علينا واسترنا!

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات!

اللهم يسر أمورنا، وأصلح أحوالنا، واغفر ذنوبنا! اللهم رخص أسعارنا، غزر أمطارنا، ولِّ علينا خيارنا، اصرف عنا أشرارنا!

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا! اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقواتنا أبداً ما أبقيتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا!

اللهم يسر أمورنا يارب! اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان! اللهم جنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن!

عباد الله، وصلوا وسلموا على من أمركم الله -عز وجل- بالصلاة والسلام عليه، فقال : ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦].

اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميد مجيد! اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميد مجيد!

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين

زر الذهاب إلى الأعلى