خطبة من فضائل العشر من ذي الحجة والعمل فيها مفرغة

خطبة : من فضائل العشر من ذي الحجة والعمل فيها
للشيخ الفاضل / أبي مجاهد صالح بن محمد باكرمان حفظه الله تعالى

الخطبة الأولى

الحمدلله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه .

أمابعد : أيها المسلمون – عبادالله – اتقوا الله حق تقواه .

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]

عباد الله ، إنَّ الله – عزوجل – خلق الخلق لعبادته ، واستعمرهم واستخلفهم في هذه الأرض لطاعته ، قال – سبحانه وتعالى – : ﴿وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] وقال – سبحانه وتعالى – :﴿تَبارَكَ الَّذي بِيَدِهِ المُلكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ۝الَّذي خَلَقَ المَوتَ وَالحَياةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزيزُ الغَفورُ﴾ [الملك: ١-٢]

وحثنا الله – سبحانه وتعالى – على المسارعة إلى الخيرات ، والمسابقة إلى جنة عرضها الأرض و السماوات ، فقال – سبحانه وتعالى – : ﴿وَسارِعوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّماواتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقينَ﴾ [آل عمران: ١٣٣]

وأقام – سبحانه وتعالى – لذلك مواسم الخيرات ، وفتح ميادين الطاعات ؛ ليتزود المتزودون ، ويستعد المستعدون ، وها هو ذا موسم خير ومن أعظم مواسم الخير أقبل علينا ، وميدان سباق نزل بساحتنا ، وهو موسم العشر من ذي الحجة ، وما أدراك ما العشر من ذي الحجة ؟! أفضل أيام السنة على الإطلاق ، أيامه أفضل الأيام ، ولياليه أفضل الليالي ، أفضل الليالي وأفضل الأيام عند الله – عزوجل – ، تتضاعف فيها الحسنات ، وتزداد فيها الدرجات ، فأين المشمِّرون ؟! وأين المتسابقون؟!

تضافرت في فضلها الآيات البينات والأحاديث الواضحات ، قال الله – سبحانه – في كتابه العزيز : ﴿وَالفَجرِ۝وَلَيالٍ عَشرٍ۝وَالشَّفعِ وَالوَترِ۝وَاللَّيلِ إِذا يَسرِ۝هَل في ذلِكَ قَسَمٌ لِذي حِجرٍ﴾ [الفجر: ١-٥]

أقسم الله – عزوجل – بالفجر والليالي العشر ، وقسم الله – عزوجل – بشيء هو تعظيم له ، والليالي العشر هي ليالي عشر ذي الحجة ، وقد نقل الإمام ابن جرير الطبري – رضي الله عنه ، ورحمه الله – إجماع الحجة من أهل التأويل على أنَّ المراد بها عشر ذي الحجة .

﴿وَلَيالٍ عَشرٍ﴾ أقسم الله بها تعظيماً لشأنها ، وقال – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز : ﴿لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ في أَيّامٍ مَعلوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُم مِن بَهيمَةِ الأَنعامِ فَكُلوا مِنها وَأَطعِمُوا البائِسَ الفَقيرَ﴾ [الحج: ٢٨]

﴿لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم﴾ أهل الحج والعمرة جعلنا الله – عزوجل – وإياكم جميعاً منهم ، ليشهدوا منافع لهم ، منافع أخروية ودنيوية ﴿ وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ في أَيّامٍ مَعلوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُم مِن بَهيمَةِ الأَنعامِ ﴾ شكراً لله على نعمه ومننه ، ماهي الأيام المعلومات ؟ جاء عن ابن عباس – رضي الله عنهما – وعن أبي موسى الأشعري ، وعن طائفة من التابعين ، قالوا : الأيام المعلومات هي العشر من ذي الحجة .

حث الله – عزوجل- فيها على ذكره ، أشاد بها في هذه الآيات ، وحث فيها على ذكره ﴿وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ في أَيّامٍ مَعلوماتٍ﴾ وغيرها من الآيات والأحاديث ، ففي الحديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ – أَنَّهُ قَالَ : ” مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ “. قَالُوا : وَلَا الْجِهَادُ ؟ قَالَ : ” وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ “. رواه البخاري بهذا اللفظ ، وفي سنن أبي داود ، ومسند أحمد ، وغيرهما في اللفظ المشهور ” مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ “. يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ : ” وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ “.

أي فضل هذا عبادالله ؟! الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام ، كما قال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – : ” ” رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ [في سبيل الله]”.

والمجاهد في سبيل الله بما لَه من فضل عند الله – عزوجل – لا يساوي عمله عمل من يعمل في هذه العشر ، ولا يبلغ مجاهد بعمله وجهاده عبادة من يتعبد في هذه العشر ، ولا يُستثنى من ذلك إلا شخص واحد ، وهو من خرج بنفسه ، يجاهد بنفسه في سبيل الله ، وخرج معه بمالِه يبذله في سبيل الله ، أمَّا نفسه فبذَلها في سبيل الله فمات شهيدا ، وأمَّا ماله فأنفقه كله في الجهاد ، فلم يرجع من ذلك بشيء لانفس ولا مال ، هذا الذي يساوي عمله عمل من يتعبد لله في هذه العشر ، فضل عظيم ! موسم عظيم من الرحمن الرحيم الرفيق – سبحانه – الذي يعرف حالنا ، ويعرف ضعفنا ، هو الذي خلقنا ويعرف حالنا وضعفنا ، ويفتح لنا المواسم ، مواسم الخير : رمضان ، والعشر ، وغيرها ؛ لنرجع إليه ، ونتقرب إليه ، ونهتبل من هذه الأسواق والمواسم .

فرص عظيمة ، تجارة مع الله ، أهل الدنيا يتحيَّنون الفرص ، ويتحيَّنون مواسم التجارة ، وفي المواسم يأتي الربح ، ويأتي الخير ، وهذا هو أوان الربح – عباد الله – وأوان الخير ، فلا نفوِّت على أنفسنا هذه العشر ، هذه الليالي القليلات والأيام المعلومات ، نتقرب فيها إلى الله – سبحانه وتعالى – بأنواع الطاعات .

ومن أعظم العبادات والطاعات التي نتقرب بها إلى الله – سبحانه وتعالى – في هذه الأيام والليالي الفاضلات : التوبة إلى الله – سبحانه وتعالى – أن نتوب إلى الله ، أن نرجع إلى الله توبة نصوحا  ﴿… توبوا إِلَى اللَّهِ تَوبَةً نَصوحًا …﴾ [التحريم: ٨] ، وقال – سبحانه وتعالى – :  ﴿… وَتوبوا إِلَى اللَّهِ جَميعًا أَيُّهَ المُؤمِنونَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ﴾ [النور: ٣١]

أن نتوب إلى الله – عزوجل- من كل الذنوب كبيرها وصغيرها ، جليلها ودقيقها ، فإنَّ الله – عزوجل – يحب التوبة ﴿… إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوّابينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] يحب التوابين ، يحب من يتوب إليه – سبحانه وتعالى – ويرجع إليه ، ويستغفره سبحانه وتعالى ، فلنتبْ إلى الله ، ولنستغفر الله سبحانه وتعالى .

ومن أعظم الأعمال التي نتقرب بها إلى الله – سبحانه وتعالى – في هذه الأيام المباركات الفاضلات : أن نعفو عن بعضنا  ، وأن نتسامح فيما بيننا ، والعفو أجره على الله ، مما أجره على الله العفو ﴿… فَمَن عَفا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: ٤٠]

أي أنَّ أجره لا حساب له ، أجرك على الله عندما تعفو عن أخيك ، وعن جارك ، وعن زميلك ، وعن صديقك ، وعن قريبك ﴿… وَليَعفوا وَليَصفَحوا أَلا تُحِبّونَ أَن يَغفِرَ اللَّهُ لَكُم ﴾ [النور: ٢٢] نُخرج ما في هذه القلوب من ضغائن وحقد ، فإنَّها من أعظم أسباب الشقاء ، الذي نحن فيه هذه الأيام ، والبلايا التي نحترق بلظاها هذه السنين .

من أعظم العبادات التي نتقرب بها إلى الله – سبحانه و تعالى – : الصلوات المكتوبات ، والرواتب المسنونات ، نتقرب إلى الله – عزوجل – بالصلاة ، التي هي صلة بيننا وبين الله ، لا يقربك من الله – عزوجل – عبدالله شيء مثل الصلاة ، قال – سبحانه وتعالى – : ﴿… وَاسجُد وَاقتَرِب ۩﴾ [العلق: ١٩] كلما سجدت لله – عزوجل – اقتربت من الله ، وقال الرسول الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلم – :” أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ “.

﴿… وَاسجُد وَاقتَرِب ۩﴾ الصلوات المكتوبات ، والمحافظة عليها في الجماعات ، والمحافظة على الأوقات ، وعلى السنن الراتبات ، وعلى الضحى ، والوتر ، وقيام الليل .

نتقرب إلى الله – عزوجل – في هذه الأيام المباركات الفاضلات بالصدقات ، الصدقة التي يضاعف الله – عزوجل – أجرها ﴿مَن ذَا الَّذي يُقرِضُ اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضعافًا كَثيرَةً وَاللَّهُ يَقبِضُ وَيَبسُطُ وَإِلَيهِ تُرجَعونَ﴾ [البقرة: ٢٤٥]

﴿أَضعافًا كَثيرَةً ﴾ أضعافاً مضاعفة ، إذا حضرك الموت – عبدالله – لن تتمنى إلا أن تعود لتتصدق ﴿وَأَنفِقوا مِن ما رَزَقناكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقولَ رَبِّ لَولا أَخَّرتَني إِلى أَجَلٍ قَريبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِنَ الصّالِحينَ ۝وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفسًا إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ﴾ [المنافقون: ١٠-١١]

نتقرب إلى الله – عزوجل – بهذه الطاعات ، وغيرها من الطاعات عبادالله .

أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه ، إنَّه هو الغفور الرحيم  .

الخطبة الثانية

الحمدلله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد :

أيُّها المسلمون عباد الله ، وإنَّ مما نتقرب به إلى الله – عزوجل- في هذه الأيام الفاضلات : الصيام ، وأعظم الصيام في هذه العشر صيام يوم عرفة ، ففي الحديث عن أبي قتادة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – : ” صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ” رواه مسلم .

صوم هذا اليوم العظيم الذي يدنو فيه رب العالمين- جل جلاله – من عباده ، ويباهي بهم ملائكته ويقول : ” ماذا أراد هؤلاء ؟” ، ما أرادوا إلا مغفرتك يارب .

ذلك اليوم العظيم الذي يقوم فيه الحجيج بعرفات ، وأمَّا من لم يكن بعرفات ، فإنَّه يتقرب إلى الله بالصوم فيه ؛ حتى يغفر الله – عزوجل- له ذنبه ، ويرفع له درجته ، وكذلك الصيام في سائر العشر ماعدا يوم العيد ، فيستحب أن يكثر المسلم من الصيام في هذه الأيام لاسيما الاثنين والخميس ، ومن صام فإنَّه يقرُب من الله سبحانه وتعالى ، ولا عِدل للصوم ، كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. قَالَ : ” عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ “. لامثل له ، فالصوم يجرك إلى كل الطاعات والحسنات .

ومن أعظم العبادات التي يتقرب بها المؤمنون في هذه الأيام المباركات : الحج والعمرة ، فيا حظ ، ويا نصيب ، ويا بخت من كتب الله – عزوجل- له حجاً وعمرة في هذه الأيام المباركات .

ومن أعظم الأعمال التي نتقرب بها إلى الله – سبحانه و تعالى – في هذه الأيام المباركات الفاضلات : ذكر الله تعالى﴿ لِيَشهَدوا مَنافِعَ لَهُم وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ في أَيّامٍ مَعلوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُم مِن بَهيمَةِ الأَنعامِ …﴾ [الحج: ٢٨]

وأعظم ذكر الله – عزوجل – قراءة القرآن ، فعلينا – عباد الله- أن نكثر من تلاوة القرآن في العشر من ذي الحجة﴿إِنَّ الَّذينَ يَتلونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقوا مِمّا رَزَقناهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجونَ تِجارَةً لَن تَبورَ۝لِيُوَفِّيَهُم أُجورَهُم وَيَزيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنَّهُ غَفورٌ شَكورٌ﴾ [فاطر: ٢٩-٣٠] فضل عظيم !

ويقول الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ – : ” مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ : الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ “.

فينبغي للمسلم أن يختم ختمة في هذه العشر على الأقل .

ومن ذكر الله – عزوجل- : التكبير ، والتهليل ، والتسبيح ، والتحميد ، ففي الحديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ – ، قَالَ : ” مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ، مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ “. رواه أحمد .

والتكبير هو شعار هذه الأيام ، التكبير المطلق غير المقيد بساعة ، ولا وقت ، ولا مكان ، ولازمان ، تكبر ، وتحمدالله ، وتهلل ، وتسبح ، وأنت في طريقك ، وأنت جالس ، وأنت في المسجد ، وأنت في البيت ، من أول العشر إلى آخرها ، والتكبير المقيد بما بعد الصلوات المكتوبات ، يبدأ من صبيحة عرفة ، من فجر يوم عرفة ، وينتهي بعصر آخر أيام التشريق ، شعار عظيم ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .

ومن أعظم الأعمال التي نتقرب بها إلى الله – عزوجل – في هذه الأيام المباركات الفاضلات : الدعاء ، وكم نحن بحاجة إلى الدعاء ؟! أن يكشف الله غمنا وكربنا ، وأن يزيل همنا وغمنا ، وأن يصلح حالنا ، أن ندعوا لأنفسنا ، ولذوينا ، وللمسلمين ، لاسيما يوم عرفة ، ففي الحديث قال الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ – قَالَ : ” خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ “.

ومن أفضل الأعمال التي نتقرب بها إلى الله – عزوجل – في تلك الأيام الفاضلات : الأضحية ، سنة أبينا إبراهيم ، ﴿وَفَدَيناهُ بِذِبحٍ عَظيمٍ﴾ [الصافات: ١٠٧] وسنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، واتفق الأئمة الأربعة  أبوحنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، على أنَّ أجر الأضحية خير من الصدقة ، الصدقة التي يتضاعف أجرها ، الأضحية خير منها عند الله  – عزوجل – وأرفع ، ولنا حديث آخر مع الأضاحي بإذن الله  .

ومن أفضل الأعمال التي نتقرب بها إلى الله – عزوجل – في هذه الأيام الفاضلات :  تفريج الكربات ، أن نفرج عن بعضنا البعض في الكرب ، قال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ – : ” مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ – عزوجل -عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ” رواه مسلم .

وفي الختام عباد الله ، نتوجَّه إلى مسئولينا وحكامنا أن يتقوا الله – عزوجل – فينا ، وفي هذه الأمة ، وفي هذا الشعب ، وأن يفرجوا عنهم ما هم فيه ، ونذكرهم بقول الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ – : ” مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ – عزوجل – رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ، وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ “. رواه مسلم .

ونختم بقول النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ – :” اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا، فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ، ومَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ”

اللهم فاغفر لنا ، وارحمنا ، وعافنا ، واعف عنا ، وتب علينا ، واسترنا !

اللهم اغفر للمسلمين ، والمسلمات ، والمؤمنين ، والمؤمنات ، الأحياء منهم ، والأموات !

اللهم غزِّر أمطارنا ، ورخِّص أسعارنا ، ولِّ علينا خيارنا ، اصرف عنا شرارنا !

اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين ! اللهم رحماك بالمستضعفين من المسلمين في كل مكان !

ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار !

وصلوا وسلموا على من أمركم الله – عزوجل – بالصلاة والسلام عليه ، فقال : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦]

اللهم صلِّ على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنَّك حميد مجيد ! اللهم بارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنَّك حميد مجيد !

عباد الله ، إنَّ الله يأمر بالعدل ، والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء ، والمنكر ، والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون، فذكروا الله يذكركم، واشكروه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون .

زر الذهاب إلى الأعلى