خطبة سلسلة وصايا لقمان ٢ : التوحيد أولاً .
خطبة سلسلة وصايا لقمان ٢ : التوحيد أولاً .
للشيخ الفاضل / أبي مجاهد صالح بن محمد باكرمان حفظه الله تعالى
لتحميل الخطبة صوتية من هنا
الخطبة الأولى
الحمدلله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ؛ تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه .
أمابعد : أيها المسلمون – عبادالله – اتقوا الله حق تقواه .
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]
عباد الله، ونمضي في سلسلة وصايا لقمان الحكيم – عليه رحمة الله – ومع الوصية الأولى من وصايا لقمان ، قال الله – عزوجل – في كتابه العزيز : ﴿وَإِذ قالَ لُقمانُ لِابنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشرِك بِاللَّهِ إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]
هذه هي الوصية الأولى من لقمان لابنه ، وهي وصية تشتمل على معالم من الحكمة ، تدل على حكمة هذا الرجل ، ونقف مع بعض هذه المعالم ، مع معلمين من هذه المعالم ، ونُرجئ الحديث عن بعضها :
المعلم الأول من معالم هذه الوصية : أنَّ لقمان الحكيم – رحمه الله – بدأ وصاياه بالوصية بالتوحيد ، والنهي عن الشرك ، بدأ بحق الله – سبحانه وتعالى – فالتوحيد هو حق الله – سبحانه وتعالى- الخالق ، الرب ، الرازق ، المدبر لشئون حياتنا – جل في علاه – من حقه أن يُعبد وحده ، أن نعبده وحده – سبحانه وتعالى – فالرب هو المعبود ، الرب الذي خلق هو الذي يستحق أن يُعبد ، الرب الذي رزق هو الذي يستحق وحده أن يُعبد ويُشكر ، الرب الذي يدبر أمرنا هو الذي يستحق أن يُعبد وحده – سبحانه وتعالى- قال الله – عزوجل- في كتابه العزيز : ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اعبُدوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم وَالَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَالَّذي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ فِراشًا وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزقًا لَكُم فَلا تَجعَلوا لِلَّهِ أَندادًا وَأَنتُم تَعلَمونَ﴾ [البقرة: ٢١-٢٢]
لا تجعلوا لله أنداداً ، وأشباهاً ، ونظراء ، وشركاء ، وأنتم تعلمون أنَّه لم يخلق هذه الأشياء إلا الله ﴿أَفَمَن يَخلُقُ كَمَن لا يَخلُقُ أَفَلا تَذَكَّرونَ﴾ [النحل: ١٧]
الخالق هو الذي يستحق أن يُعبد ، والعبادة حق له – سبحانه وتعالى – وفي الحديث عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ : كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ – عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ : عُفَيْرٌ، فَقَالَ : ” يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ “. قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ : ” فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا “. رواه البخاري ومسلم .
والتوحيد – عباد الله – هو أول الحقوق ؛ لأنَّه حق الله – سبحانه وتعالى – قال الله – عزوجل – في آية الحقوق العشرة : ﴿وَاعبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشرِكوا بِهِ شَيئًا…﴾ فبدأ بحقه ، وأمر بعشرة حقوق ، بدأ فيها بحقه ﴿وَاعبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشرِكوا بِهِ شَيئًا وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا وَبِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَالجارِ ذِي القُربى وَالجارِ الجُنُبِ وَالصّاحِبِ بِالجَنبِ وَابنِ السَّبيلِ وَما مَلَكَت أَيمانُكُم …﴾ [النساء: ٣٦]
فبدأ – سبحانه وتعالى – بحقه ، ولما أرسل الرسول – صلى الله عليه وآله و سلم – معاذ بن جبل إلى اليمن ، يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام ، قَالَ لَهُ : ” إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ ؛ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ – وفي رواية ” إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى – ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ … ” الحديث في البخاري ومسلم .
فالتوحيد حق الله ، وهو مقدَّم على كل الحقوق ، ولهذا كانت الدعوة إلى التوحيد هي أصل دعوة الأنبياء ، وأول دعوة الأنبياء ، قال الله – سبحانه وتعالى – : ﴿وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوتَ … ﴾ [النحل: ٣٦]
وقال – سبحانه وتعالى- ﴿وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ مِن رَسولٍ إِلّا نوحي إِلَيهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنا فَاعبُدونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥]
ومضى على ذلك الأنبياء والمرسلون ، يقولون لأقوامهم : ﴿…اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ…﴾[الأعراف: ٥٩]
بدء من نوح – عليه الصلاة والسلام – ﴿إِنّا أَرسَلنا نوحًا إِلى قَومِهِ أَن أَنذِر قَومَكَ مِن قَبلِ أَن يَأتِيَهُم عَذابٌ أَليمٌقالَ يا قَومِ إِنّي لَكُم نَذيرٌ مُبينٌأَنِ اعبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقوهُ وَأَطيعونِ﴾ [نوح: ١-٣] فبدأ بعبادة الله عزوجل .
وانتهاء بمحمد – صلى الله عليه وآله وسلم – الذي كان يصرخ في الناس ، وينادي في نوادي العرب : قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ، وقال المشركون : ﴿ … أَئِنّا لَتارِكو آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجنونٍ﴾ [الصافات: ٣٦] فعرفوا أنَّ هذه الكلمة تقتضي ترك الشرك ، فالدعوة إلى التوحيد – توحيد الله عزوجل – هي أصل دعوة الأنبياء ، ولبُّ دعوة الأنبياء ، وهل خُلِق الخلق إلا من أجل التوحيد ؟! قال الله – سبحانه وتعالى – : ﴿وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]
فمن هنا بدأ لقمان الحكيم – رحمه الله تعالى – بالتوحيد ، بالدعوة إلى التوحيد من خلال النهي عن الشرك .
أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أمابعد : أيها المسلمون – عباد الله – اتقوا الله حق تقواه .
عبادالله ، والمعلم الآخر من معالم الحكمة في الوصية الأولى لِلُقمان الحكيم – رحمه الله – وهو فرع عن المعلم الأول : أنَّ الدعوة إلى التوحيد أولا ليست خاصة بالكفار ، كما قد يتوهم بعض المتوهمين ، فربما توهم بعض المتوهمين ، أنَّ البدء بالتوحيد والنهي عن الشرك ، والدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك ، هذه لأهل الكفر ، أما لقمان الحكيم وهو يدعو ابنه المسلم ، ويربي ابنه المسلم ، يبدأ بالتوحيد والنهي عن الشرك وابنه من أهل الإسلام ، ولو لم يكن من أهل الإسلام لَما دعاه إلى الصلاة وإقام الصلاة ، ولَما دعاه إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ، فإنَّ من لم يؤمن بالله لا يُدعى إلى ذلك ، ولاينفعه شيء من ذلك .
مسلمٌ يربي ابنه المسلم ، ويبدأ معه بالتوحيد والنهي عن الشرك ، وهذه طريقة الأنبياء من خوفهم من الشرك ومن حرصهم على التوحيد ، يربون أبناءهم عليه إلى الممات .
واسمعوا وعوا – عباد الله – إلى إبراهيم الخليل – عليه الصلاة والسلام – وإلى يعقوب ، قال الله – سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز : ﴿وَمَن يَرغَبُ عَن مِلَّةِ إِبراهيمَ إِلّا مَن سَفِهَ نَفسَهُ وَلَقَدِ اصطَفَيناهُ فِي الدُّنيا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحينَإِذ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسلِم …﴾ [البقرة: ١٣٠-١٣١] أسلم لله بالتوحيد والطاعة .
﴿ … أَسلِم قالَ أَسلَمتُ لِرَبِّ العالَمينَ وَوَصّى بِها إِبراهيمُ بَنيهِ … ﴾ [البقرة: ١٣١-١٣٢] إبراهيم وصى بنيه بالإسلام والتوحيد ، من بنوه ؟ إسماعيل ، وإسحاق ، وغيرهم من أبنائه الرسل والأنبياء .
﴿وَوَصّى بِها إِبراهيمُ بَنيهِ وَيَعقوبُ …﴾ أي ووصى يعقوب بنيه ، من بنوه ؟ يوسف ، وبنيامين ، وإخوانهم الذين اصطفاهم الله – عزوجل – أنبياء (الأسباط) بعد أن تابوا إلى الله .
ماهي وصيتكم يا إبراهيم ويايعقوب ؟
﴿وَوَصّى بِها إِبراهيمُ بَنيهِ وَيَعقوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصطَفى لَكُمُ الدّينَ فَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَأَم كُنتُم شُهَداءَ إِذ حَضَرَ يَعقوبَ المَوتُ … ﴾ [البقرة: ١٣٢-١٣٣] حضر الموتُ يعقوب ، ووصى يعقوب .
﴿ … إِذ حَضَرَ يَعقوبَ المَوتُ إِذ قالَ لِبَنيهِ ما تَعبُدونَ مِن بَعدي …﴾ سبحان الله ! ماتعبدون مِن بعدي ؟ ستعبدون مَن بعدي ؟ ستتوجهون بالعبادة إلى مَن بعد موتي ؟ يقول لمن ؟! لأبنائه المصطفَين ، ما تعبدون مِن بعدي ؟ يريد أن يتأكد ، ويؤكد على ثباتهم على التوحيد .
﴿ … قالوا نَعبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبراهيمَ وَإِسماعيلَ وَإِسحاقَ إِلهًا واحِدًا وَنَحنُ لَهُ مُسلِمونَ﴾ [البقرة: ١٣٣]
الدعوة إلى التوحيد ، والتربية على التوحيد ، والخوف من الشرك ؛ لأنَّ الشيطان يعمل عمله من أجل صرف الناس عن توحيد الله ، وكلما تعمق الإنسان في العلم ، وعرف ذلك خاف من الشرك .
وهذا إبراهيم الخليل – عليه الصلاة والسلام – يخاف على نفسه وبنيه من عبادة الأصنام ، فيقول في دعائه :﴿ … وَاجنُبني وَبَنِيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنامَ﴾ [إبراهيم: ٣٥]
إبراهيم الخليل ، وأبناؤه إسماعيل ، وإسحاق ، يخاف على نفسه وعلى بنيه من الأصنام ، وأن يصير إلى عبادة الأصنام ، لِما يعلم من خطر الشيطان وشبهاته ﴿ … وَاجنُبني وَبَنِيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنامَ﴾ [إبراهيم: ٣٥]
لماذا هذا الدعاء يا إبراهيم ؟!
قال : ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضلَلنَ كَثيرًا مِنَ النّاسِ …﴾ [إبراهيم: ٣٦]
ضلَّ بها كثير من الناس ﴿أَلَم أَعهَد إِلَيكُم يا بَني آدَمَ أَن لا تَعبُدُوا الشَّيطانَ إِنَّهُ لَكُم عَدُوٌّ مُبينٌوَأَنِ اعبُدوني هذا صِراطٌ مُستَقيمٌ﴾ [يس: ٦٠-٦١]
وكان الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وآله وسلم- يعلم أبناءه وذويه التوحيد ، ركب معه ابن عباس يوماً ، فبدأ معه بالتوحيد : ” ” يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، [تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ ] ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ … ”
هذه من معالم الحكمة في وصايا لقمان ، أن نربي أبناءنا على الإسلام ، وعلى التمسك بالإسلام ، وعلى التوحيد ، وعلى التمسك بالتوحيد ، وأن ننهاهم عن الكفر ، والشرك ، والزندقة ، والإلحاد .
فاحذروا عبادالله ، وخذوا بهذه الوصية ، وعلِّموا أبناءكم الإسلام ، والتوحيد ، وحذروهم من الشرك ، والزندقة ، والإلحاد .
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦]
اللهم صلِّ على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنَّك حميد مجيد ! اللهم بارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنَّك حميد مجيد !
اللهم اغفر للمسلمين ، والمسلمات ، والمؤمنين ، والمؤمنات ، الأحياء منهم ، والأموات !
اللهم إنَّك حي ، سميع ، قريب ، مجيب الدعوات !
اللهم رحماك بنا يا أرحم الراحمين ! اللهم ارحمنا يا أرحم الراحمين !
اللهم ارفع عنا غضبك وسخطك ! اللهم اكشف عنا الضراء ، واكشف عنا الكرب ! اللهم أبعد عنا الضراء والكرب !
اللهم لا تفتنا في الدنيا ولا في الآخرة يا أرحم الراحمين !
اللهم رخِّص أسعارنا ! اللهم غزِّر أمطارنا ! اللهم ولِّ علينا خيارنا ! اللهم ولِّ علينا خيارنا ! اللهم ولِّ علينا خيارنا ! اللهم اصرف عنا أشرارنا !
اللهم رحماك بالمستضعفين من المسلمين في كل مكان ! اللهم خذ بأيدينا إلى كل خير !
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين .