خطبة الرد على شبهات حول زواج النبي – صلى الله عليه وآله سلم – من عائشة – رضي الله عنها – وهي صغيرة
خطبة : الرد على شبهات حول زواج النبي – صلى الله عليه وآله سلم – من عائشة – رضي الله عنها – وهي صغيرة
للشيخ الفاضل / أبي مجاهد صالح بن محمد باكرمان
الخطبة الأولى
الحمدلله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ؛ ليظهره على الدين كله ، وكفى بالله شهيدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً به وتوحيدا ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً مزيدا .
أمابعد : أيُّها المسلمون عباد الله ، اتقوا الله حق تقواه .
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]
عباد الله ، لقد قضت حكمة الله – عزوجل – بأن يكون لأنبياء الله وأتباعهم أعداء من الكافرين ، أعداء يعادونهم ويحاربونهم ، يحاربونهم بالسيف والسِّنان ، ويحاربونهم باللسان والبيان ، يحاربون أنبياء الله وأتباع أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
والحرب باللسان والبيان لها أنماط مختلفة : بالإعلام المُغرِض ، وبث الشبهات ، وبزخرف القول ، قال الله – سبحانه وتعالى – في كتابه العزيز : ﴿وَكَذلِكَ جَعَلنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطينَ الإِنسِ وَالجِنِّ يوحي بَعضُهُم إِلى بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرورًا وَلَو شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلوهُ فَذَرهُم وَما يَفتَرونَوَلِتَصغى إِلَيهِ أَفئِدَةُ الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرضَوهُ وَلِيَقتَرِفوا ما هُم مُقتَرِفونَ﴾ [الأنعام: ١١٢-١١٣]
حرب الشبهات ، وحرب زخرف القول ، يقذفون بالشبهات على المسلمين ، ليُخلخلوا عقيدتهم ، وليشككوهم في دينهم ، ومن هذه الشبهات : الشبهات حول النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – رسول الهدى محمد – صلوات ربي وسلامه عليه – الكريم المكرَّم المبرَّأ .
ومن هذه الشبهات : أنَّه تزوج من عائشة – رضي الله عنها – صغيرة ، ماحقيقة ذلك ؟ وماذا يريد أعداء الله أن يقولوا من خلال ذلك ؟ ما الذي يريدون أن يصلوا إليه ؟ وكيف الجواب ؟
أمَّا حقيقة ذلك فحقٌّ أنَّ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – عقد على عائشة الرضا – رضي الله عنها – في مكة من أبيها أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – ولها ست سنين ، وتركها عند أبيها ثلاث سنوات ، وكانت الهجرة ، وفي السنة الأولى من الهجرة بنى عليها – صلى الله عليه وآله وسلم – ودخلت عليه ولها من العمر تسع سنوات .
رواه البخاري ومسلم من قولها – رضي الله عنها وأرضاها – كما حكى ذلك عنها ابن أخيها عروة بن الزبير – رحمه الله – ونقل عنه القول جماعة من الرواة منهم : ابنه هشام ، والإمام الزهري ، وغيرهم ، وتناقل هذه القصة المسلمون منذ كانوا ، لم يعترض عليها أحد ، لم يعترض على ذلك أحد من المسلمين ، ولا من اليهود ، ولا من النصارى ، ولا من المشركين ، ولا من المنافقين ، حتى جاء هذا الزمان ، وجاءت عادات وتقاليد خاصة بهذا الزمان ، وصارت الجولة للحضارة الغربية لأوربا وأمريكا ، ووضعوا في قوانينهم في الأخير ، أنَّه لا يحق للإنسان أن يتزوج ببنت لها أقل من ثمان عشرة سنة ، وعلى هذا الأساس يريدون أن يحاكموا النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – إلى عرفهم الحديث ، ماذا يريدون من بثهم لهذه القصة؟
النصارى يعجُّون ويلجُّون في هذه القصة وغيرهم من الوثنيين والمنافقين ، ماذا يريدون أن يقولوا ؟ ما الذي يريدون أن يصلوا إليه ؟ هل يريدون أن يقولوا : إنَّ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بأبي هو وأمي كان شهوانياً ؟!
هل يريدون أن يقولوا : إنَّ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – خالف بزواجه هذا التقاليد ،والأعراف، والعادات ، والحالة الاجتماعية ؟!
هل يريدون أن يقولوا : إنَّ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بهذا الزواج انتهك حق الطفولة ، وحرمها الطفولة ، وأصابها بالعقد النفسية ؟!
فلنقف مع هذه الشبهات عباد الله .
الأولى : هل كان النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – شهوانيا ؟!
نحن لا نشك في براءة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ، ولكنَّا نريد أن نردَّ على هذه الشبهات الباطلة في حق رسولنا الكريم – صلى الله عليه وآله وسلم – ، كيف كانت سيرته؟
فلنمر على شيء من سيرته ، ولنقرأ شيئاً من سيرته ، لنعرف حاله صلوات ربي وسلامه عليه .
ولد يتيماً – صلى الله عليه وآله وسلم – ، بقي ست سنوات في بني سعد طفلاً صغيرا ، ورجع إلى مكة في حضن أمه التي وافتها المنيَّة بعد رجوعه بسرعة ، ثم كان في حضن جده ، ويعيش مع الأحزان ، فيموت جده عبدالمطلب وله من العمر ثمان سنوات ، فيكفله أبو طالب ، ويعيش يرعى الغنم لأهل مكة على قراريط .
طفلٌ صغير فقير ، ثم يمضي في التجارة مع عمه ، يسير هنا وهناك ، ترقبه العيون ، ويعرفه الناس ؛ لأنَّه ابن سيد مكة ابن عبدالمطلب ، إلى أن يبلغ الخامسة والعشرين من عمره ، مضى شبابه ، مضت زهرة حياته ، ولم تُعرف له صبوة ، ولا اتجاه إلى الشهوة ، ولم يعرف عنه شيء يخدش بالحياء ، أو يخلِّفه عن مكارم الأخلاق ، وهو صفحة بيضاء أمام الناس أجمعين ، وفي الخامسة والعشرين من عمره يتزوج – صلوات ربي وسلامه عليه – بخديجة ، ومن هي خديجة هذه التي تزوجها ؟ تكبره بخمس عشرة سنة ، ولها أربعون سنة ، وهي امرأة ثيِّب ، قد تزوجها قبله اثنان ، ولهم منها أبناء ، هل هذا هو الرجل الشهواني ؟!
ثم ماذا بعد ذلك ؟ بعد أن يتزوج خديجة الرضا ، خديجة الكبرى- رضي الله عنها – يمكث معها خمساً وعشرين سنة ، لايتزوج عليها ، يمكث معها خمساً وعشرين سنة إلى أن بلغ من العمر خمسين سنة ، ولم يتزوج على هذه المرأة الكبيرة الثيِّب ، وهو في مجتمع يعرف التعدد ، وماتت خديجة – رضي الله عنها- في الخمسين من عمره .
ماذا بقي من شرخ شبابه ؟ وبعد موت خديجة – رضي الله عنها – تزوج بغيرها وعدَّد في النبوة ، تزوج سودة بنت زمعة ، ثيِّباً تركها زوجها ، ومات عنها زوجها ، وهي من المسلمات المؤمنات الأوائل ، وتزوج عائشة – رضي الله عنها – ولم يتزوج بكراً سواها – رضي الله عنها وأرضاها – تزوجها بأمر من الله – سبحانه وتعالى – فقد جاء في الحديث أنَّ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال لعائشة – رضي الله عنها – : ” أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ” فَقَالَ لِي : ” هَذِهِ امْرَأَتُكَ. ”
وهذه لنا – معشر المسلمين – لا لهم ، نؤمن بها .
تزوجها النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – صغيرة لحِكم عظيمة : قرَّب أبابكر ، وجازى صاحبه أبابكر بهذه الزيجة ، تزوجها صغيرة من أجل أن تتربى في بيته وعلى عينه ، تزوجها صغيرة من أجل أن تتلقَّف عنه سنته وهديه ؛ لتنقله إلى الأمة ، الرجال ينقلون سيرته وسنته وهديه من خارج البيت ، وزوجاته ينقلن عنه هديه وسيرته من داخل البيت ، وهذه فتاة ذكية ، ثَقِفَة ، حافظة ، وهي حافظة الأمة ، ثم تزوج الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – من زوجات أخريات ؛ لجبر خواطر أهلهن ، أو لجبر خواطرهن ، ولن نخوض في التفاصيل .
ثم ماذا عباد الله ؟ كيف كانت حياة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في المدينة ؟ إمام الأمة ، رسول العالمين ، وهاديها ، ومعلمها ، ومربيها ، مشغول بتربية الأمة ، وبتوجيهها ، وبنصحها ليل نهار ، وقائد الأمة ، خاض ستاً وعشرين غزوة ، وأرسل أكثر من أربعين سَريَّة ، كان رجلاً عابداً ، يصوم النهار ، ويقوم الليل ، أين الشهوة ؟!
الشهوة الطبيعية هذه لا خلاف عليها ، كان – صلوات ربي وسلامه عليه – فحلاً من الرجال ، والفحولة ، والرجولة ، والشهامة ، هذه خصال مدح ، أمَّا أنَّه كان شهوانياً جانحا ، فانظروا إلى سيرته العطرة ، انظروا إلى حياته حتى تعرفوا الحقيقة .
هذه الأولى عبادالله ، كان – صلوات ربي وسلامه عليه – حتى في زيجاته رحمة للعالمين ، يرحم النساء اللواتي انكسرن ، ومات أزواجهن ، ويتزوج من أجل أن يجلب القلوب ، ويجذب القلوب إليه ﴿فَبِما رَحمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظًّا غَليظَ القَلبِ لَانفَضّوا مِن حَولِكَ فَاعفُ عَنهُم وَاستَغفِر لَهُم وَشاوِرهُم فِي الأَمرِ فَإِذا عَزَمتَ فَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلينَ﴾ [آل عمران: ١٥٩]
أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدلله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد : أيُّها المسلمون عباد الله ، اتقوا الله حقَّ تقواه.
عبادالله ، هل خالف النبي – (صلى الله عليه وآله وسلم ) بزواجه من عائشة (رضي الله عنها ) صغيرة وهو كبير – الأديان والعقائد ، أو خالف التقاليد والأعراف ؟!
كلا والله ، أمَّا دين الإسلام فهو مبلِّغه ، وهو الأعلم به – صلوات ربي وسلامه عليه – وفي ديننا الحنيف يجوز الزواج من الصغيرة بإجماع المسلمين ، ويجوز البناء بها متى قدرت على ذلك بإجماع المسلمين ، وفي القرآن مايدل على ذلك وفي السنة ، ولا نطيل .
وعند اليهود لا يختلفون في الزواج من الصغيرة ، ويذكرون زواج داود – عليه الصلاة والسلام – وهو كبير من بنت صغيرة .
وعند النصارى لا يحرم الزواج من الصغيرة ، ويقولون : إنَّ يوسف النجار الذي تزوج من مريم البتول – عليها السلام – تزوجها وهي بنت اثنتي عشرة سنة .
وأما في الهند والبيرو وغيرها من البلاد ، فلا يختلفون في الزواج من الصغيرات .
وفي بيئة النبي – صلى الله عليه وآله سلم – في قريش ، كانوا يزوجون الصغيرات للكبار وهذا شيء كثير ، لو جمع الإنسان هذا وتفاصيل ذلك في التاريخ لبلغ مجلدا ، ومضى الناس على هذا ، هذا مايعرفه العالَمون إلى هذا الزمن .
أوربا وأمريكا إلى زمن ١٨٨٩ ، كان القانون في الولايات المتحدة يحدد سن الزواج بعشر ، أراد أن يحدد لأنَّ بعض كتب النصارى تجوِّز الزواج من سن ثلاث سنوات ، فحددوا بعشر ، ثم بعد ست سنوات حددوا بأربع عشرة ، ثم في أوائل القرن العشرين حددوا بثمان عشرة ، ولكنَّهم لم يستطيعوا أن يفرضوا هذا القانون على كل الولايات ، فهناك ولايات تزوِّج بأربع عشرة وثنتي عشرة إلى اليوم ، وأما خارج الولايات في أوربا والعالم فالزواج من الصغيرات سارٍ ، حتى إنَّ منظمة اليونسيف تقول : إنَّ هناك اثني عشر مليون زواج للصغيرات في السنة في العالم ، ملايين الزواجات في آسيا ، وإفريقيا ، وأوربا ، والعالم ، هذا هو الواقع .
المنكر هو العنف الأسري ، المنكر هو سلب البراءة ، المنكر هو الأذى للصغيرة ، وهذا شيء آخر .
كيف كان زواج النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – من عائشة ؟
كيف كانت حياتها مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ هذا له حديث آخر .
أسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يثبتنا وإيَّاكم على طريق محمد – صلوات ربي وسلامه عليه – وعلى حبِّه ، وعلى طاعته ، وعلى الاقتداء به ، وعلى التمسك بهديه !
كان – صلوات ربي وسلامه عليه – على خلق عظيم ، كما وصفه ربه – عزوجل – فقال : ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ﴾ [القلم: ٤] فأيّ شيء بعد شهادة الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم .
وصلوا وسلموا على من أمركم الله – عزوجل – بالصلاة والسلام عليه ، فقال : ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦]
اللهم صلِّ على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنَّك حميد مجيد ! اللهم بارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، وعلى آل إبراهيم ، إنَّك حميد مجيد !
اللهم اغفر للمسلمين ، والمسلمات ، والمؤمنين ، والمؤمنات، الأحياء منهم ، والأموات !
اللهم اغفر لآبائنا ، وأمهاتنا ، وأزواجنا ، وذريَّاتنا ، ومن له حق علينا !
اللهم اغفر لنا ، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم غزِّر أمطارنا ، رخِّص أسعارنا ، ولِّ علينا خيارنا ، اصرف عنا أشرارنا !
اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين!
ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار !
عباد الله ، إنَّ الله يأمر بالعدل ، والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء ، والمنكر ، والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون، فذكروا الله يذكركم، واشكروه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم