خطبة عيد الفطر المبارك لعام ١٤٤٣ -مفرغة-

خطبة عيد الفطر المبارك لعام ١٤٤٣ -مفرغة- للشيخ الفاضل صالح بن محمد بن عبدالرحمن باكرمان

الخطبة الأولى

الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ما صام صائم وأفطر ، الله أكبر ماقام قائم وتسحَّر ، الله أكبر مازكَّى مُزَكٍ وتبرَّر ، الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ، والحمدلله الذي تتم بنعمته الصالحات ، والشكر له على نعمه الفاضلات ، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له في ذاته وأفعاله والصفات ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله حادي النفوس إلى الجنان العاليات ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم على التُّقى والطاعات ، وسلَّم تسليماً كثيرا .

أمابعد :  أيها المسلمون ، اتقوا الله حق تقواه ، قال الله – عزوجل – : ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢]

الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .

عباد الله ، إنَّ من نعم الله – عزوجل- علينا أن بلغنا رمضان ، ويسَّر لنا صيامه وقيامه ، وأكرمنا بالتَّفيُّؤ في ظلال خيامه ، تعلقت فيه قلوبنا في المساجد ، فإذا نحن فيه بين راكعٍ وساجد ، وأقبلنا فيه على القرآن نتلوه في كل آنٍ ومكان ،  وارتفعت أكفُّنا بدعاء الرحمن ، نطلب منه العفو والغفران ، فليت أنَّ حالنا تدوم على هذه الحال ، إذن لارتاح البال وتحسنت الأوضاع والأحوال .

فالثباتَ الثباتَ – عبادالله – على الطاعة ، بقدر الطاقة المستطاعة ، ولا ترتدوا إلى الغفلة واللهو فتُحدثوا أحداثا ، ﴿وَلا تَكونوا كَالَّتي نَقَضَت غَزلَها مِن بَعدِ قُوَّةٍ أَنكاثًا … ﴾ [النحل: ٩٢]

ولايكن هذا آخر عهدكم بالصيام ، ولا نهاية ارتباطكم بالوتر والقيام ، ولا غاية صِلَتكم بالقرآن أيُّها الكرام .

وأول ذلك أن تصوموا ستاً من شوال ، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ –  : ” مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ “. رواه مسلم .

الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .

هانحن أولاء في يوم العيد ، يوم الفرح والسرور ، ويوم البهجة والحبور ، قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ – : ” لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا ؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ “. رواه البخاري ، ومسلم .

فنسأل الله – سبحانه وتعالى – كما أعطانا الأولى ، أن يعطينا الثانية ! وكما أفرحنا بفطرنا اليوم ، أن يفرحنا بصومنا غدا ! اللهم أمين !

واعلموا – عبادالله – أنَّ للعيد مشهداً ومظهرا ، وحقيقةً وجوهرا ، فمظهر العيد هو الفرح والمسرَّات ، والتهاني والتبريكات ، والتجمّع والزيارات .

وأما حقيقة العيد فذكر لله – عزوجل- وشكر ، وتميّز عن أهل الشرك والكفر ، قال الله – عزوجل- : ﴿… وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرونَ﴾ [البقرة: ١٨٥]

فلازموا في عيدكم الطاعة والذكر والشكر ، واحذروا فيه من الغفلة والجحد والكفر .

الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .

يأتي عيد الفطر هذه السنة ، وقد أُزيحت الستارة عن مشهد جديدٍ من مشاهد الواقع اليمني ، وهو مشهد المجلس الرئاسي ، والمواطن البسيط لا يلتفت إلى هذه  المظاهر الصورية ، ولا تهمُّه كثيراً التغيُّرات السياسية ، بل لا تهمُّه إلا الحقائق الواقعية ، فالشعب يصبو إلى إنهاء الحرب وإحلال السلام ، وتثبيت الأمن والاستقرار والنظام ، وتوفُّرٍ تامٍّ للخدمات الأساسية ، وتحسُّن في الحياة المعيشية ، فهذا هو ما يطلبه الشعب ، وتصبو إليه نفس المواطن البسيط .

فلتكن غاية أعضاء المجلس الرئاسي ، والحكومة ، والمجالس المحليَّة ، هي تحقيق مطالب الشعب المكلوم المظلوم ، ولْيجدُّوا في العمل ، ولا يقتلوا ما بقي في هذا الشعب من أمل ، ولتكن مصلحة الشعب رائدهم لا مصالح أنفسهم ، قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ – :اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ “. رواه مسلم .

الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .

عبادالله ، إنَّه لا يخفى على أحد ، ما وصل إليه حال الناس من فقر ، وحاجة ، ومسكنة ، وخَصاصة ، بسبب ارتفاع الأسعار ، وتضخم العملة ، وشحة المداخيل ، وكثرة المصاريف ، فانكشفت أسر كانت مستورة ، واحتاجت عوائل كانت ميسورة ، ولولا الدين والمروءة لظهر في المجتمع العَوار ، وحلَّ بالناس البوار ، فما ستر مجتمعَنا إلا الزكاةُ والصدقات ، والرحمةُ والمَبَرَّات ، قال الله – عزوجل – ﴿إِنَّمَا المُؤمِنونَ إِخوَةٌ … ﴾ [الحجرات: ١٠] وقال الرسول – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ – : ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى “.رواه البخاري ، ومسلم .

فاتقوا الله – عبادالله – وصِلُوا أرحامكم ، وتفقدوا جيرانكم ، وتراحموا فيما بينكم ، وإنَّ القلب ليأسف ، وإنَّ الجبين ليندى ، أن نرى صرَّافينا وتجارنا في ظل هذه الأزمة الخانقة ، والظروف الحارقة ، أنَّ نراهم يتنافسون في رفع أسعارهم ، ويتلذذون بامتصاص دماء إخوانهم ، وفي كَيْلهم ووزنهم يكيلون بمِكْيالَين ، ويزِنون بميزانَين ، فإذا انخفضت قيمة الريال ، رفعوا الأسعار ، وقالو قد جرَت بذلك الأقدار ، وإذا ارتفعت قيمة الريال لم يخفضوا الأسعار تحسباً – زعموا – للأخطار ، فهؤلاء من جملة من قال الله – عزوجل – فيهم : ﴿وَيلٌ لِلمُطَفِّفينَ۝الَّذينَ إِذَا اكتالوا عَلَى النّاسِ يَستَوفونَ۝وَإِذا كالوهُم أَو وَزَنوهُم يُخسِرونَ۝أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُم مَبعوثونَ۝لِيَومٍ عَظيمٍ۝يَومَ يَقومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمينَ﴾ [المطففين: ١-٦]

فاحذروا – عبادالله – من الوقوف بين يدي الله ، واخشوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله .

أقول ماسمعتم ، وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، والحمدلله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وأصحابه والتابعين .

أما بعد : أيُّها المسلمون – عباد الله – اتقوا الله حق تقواه .

عبادالله ، إنَّ الاستقامة على الدين والقيم من أعظم صفات أهل الإيمان ، التي ينالون بها الجنان ، قال الله – عزوجل – في محكَم القرآن : ﴿إِنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقاموا فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ۝أُولئِكَ أَصحابُ الجَنَّةِ خالِدينَ فيها جَزاءً بِما كانوا يَعمَلونَ﴾ [الأحقاف: ١٣-١٤]

وقد أمر الله – عزوجل – نبيه – صلى الله عليه وآله وسلم – ومن تاب معه بالاستقامة ، فقال – سبحانه وتعالى – : ﴿فَاستَقِم كَما أُمِرتَ وَمَن تابَ مَعَكَ وَلا تَطغَوا إِنَّهُ بِما تَعمَلونَ بَصيرٌ۝وَلا تَركَنوا إِلَى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ …﴾ [هود: ١١٢-١١٣]

فأمر الله – عزوجل – نبيه بالاستقامة على ما أُمر به من الكتاب والسنة ؛ حتى لا يتهاون في دين الله – عزوجل – ونهى عباده عن الطغيان ومجاوزة الحد ؛ حتى لا يقعوا في الغلو الذي هو سبب من أسباب الهلاك والضعف ، وحذر من الركون إلى الذين ظلموا من أهل الكفر والنفاق والفسق ؛ لأنَّهم من أسباب التهاون في الدين ، والتخلي عن قيم المسلمين .

فاستقيموا – عباد الله – على الإسلام والإيمان ، وتمسَّكوا بتعاليم السنة والقرآن ، ولاتركنوا إلى الذين ظلموا من أهل الفسق والكفران .

الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .

عباد الله ، إنَّ أبناءنا وبناتنا اليوم تحت خطر رياح عاصفة ، وأيادٍ آثمة خاطفة ، ودعوات وأفكار منحرفة ، وأخلاق وسلوكيات مختلفة ، تدل على ضحالة في التفكير ، وخواء في الروح ، وتأثر عميق بالدخيل ، وإنَّ أعداء الله – عزوجل – لا يألون جهداً في إخراجنا من ديننا ، وإفساد أخلاقنا وسلوكنا ، قال الله – عزوجل – عن أهل الكتاب : ﴿وَدَّ كَثيرٌ مِن أَهلِ الكِتابِ لَو يَرُدّونَكُم مِن بَعدِ إيمانِكُم كُفّارًا حَسَدًا مِن عِندِ أَنفُسِهِم … ﴾ [البقرة: ١٠٩]

وقال – جل جلاله – في شأن المنافقين ومتَّبعي الشهوات : ﴿وَاللَّهُ يُريدُ أَن يَتوبَ عَلَيكُم وَيُريدُ الَّذينَ يَتَّبِعونَ الشَّهَواتِ أَن تَميلوا مَيلًا عَظيمًا﴾ [النساء: ٢٧]

فالمنظمات الدولية تبث سمومها في الشباب والشابات ، والأبواق المحليَّة تردد أفكارها ، وتعمل لها كأدوات ، وإذا لم يتدارك الآباء والموجهون هذه الظاهرة ، فإننا سنكون أمام فقدان الهوية ، وتنكُّر للثقافة ، ومخالفة صارخة للتقاليد ، وتدنٍ في الأخلاق والسلوك ، وغرق في وحل الرذيلة والمخدرات .

فلْيَقم كلٌّ بدوره بالمحافظة على الشباب والنَّشء ، فالأم هي حجر الزاوية في بناء الأسرة المتين ، فهي القلب النابض والأساس الأول في تربية النَّشء على الدين .

والوالد هو النفس الحافظة ، والعين الساهرة التي تحرس الأبناء والبنات ، وتراقب أقوالهم وأفعالهم ، وتوجه أخلاقهم وسلوكهم .

والعلماء ، والمعلمون ، والموجهون هم العقل المدبِّر ، والفكر المسيِّر ، فلْيكونوا منارة لإرشاد السائرين ، وبوصلة لتوجيه السالكين .

والدولة هي النفس المدبِّرة ، واليد القاهرة ، فلْتأخذ على أيدي كلِّ من تسوِّل له نفسه العبث بالدين ، أو المساس بالتقاليد الأصيلة للمسلمين .

الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر  ، لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ، ولله الحمد.

عبادالله ، تمتَّعوا بعيدكم ، واشكروا ربَّكم ، وحافظوا على خمسكم ، وبرُّوا آباءكم وأمهاتكم ، وصِلوا أرحامكم ، ولاتأتوا مايغضب ربكم .

اللهم ثبتنا على الحق ، وخذ بأيدينا إلى كلِّ خير ، وجنبنا كلَّ شر ! اللهم آتِ نفوسنا تقواها ، زكِّها أنت خير من زكَّاها ، أنت وليُّها ومولاها ! اللهم تقبل صيامنا ، وقيامنا ، ودعاءنا ، وصالح أعمالنا !

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، إنَّك سميع قريب مجيب الدعوات !

اللهم صلِّ على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، وعلى آل ابراهيم ، إنك حميد مجيد ! اللهم بارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، وعلى آل ابراهيم ، إنَّك حميد مجيد !

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين .

 

لتحميل الخطبة صوتية من هنا

زر الذهاب إلى الأعلى