الإساءة للرسول شر فيه خير
الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم شر فيه خير
إن هذه الإساءة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست إساءة واحدة وإنما هي إساءات مكرورة , وإن هذه الإساءات المكرورة لتجدد في قلب كل مسلم مبدأ الولاء والبراء , الولاء للمؤمنين بالمحبة والمناصرة , والبراء من الكافرين بالبغض والمعاداة , قال الله عز وجل : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )) [المائدة:51].
فشأن أهل الكفر دائما وأبدا هو موالاة بعضهم بعضا , وامتلاء قلوبهم ببغض أهل الإيمان والحقد الدفين عليهم , وكيدهم والمكر بهم , وغشهم والإمعان في إدخال الضرر عليهم , وانطواء قلوبهم على ما هو أعظم من الحقد والحسد والغش , قال الله عز وجل : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ .)) [آل عمران:118]. فهل فينا من يعقل ؟ فإن الله عز وجل نهانا محذرا لنا من أن نتخذ بطانة من دوننا من أهل الكفر والنفاق , نهانا أن نتخذهم بطانة ومستشارين وأمنا , وعلل ذلك النهي بقوله : ((لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ )) أي : لا يقصرون في إفساد أمركم أرادوا وتمنوا ما فيه عنتكم , فأهل الكفر كما يقول ربنا جل جلاله ودوا ما فيه عنتنا والعنت هو شدة الحال , وهذا هو ما يقصده الكفار فيما يشيرون به علينا حينما نقربهم ونتخذهم أمناء ومستشارين , لا يقصرون في إفساد أمرنا , وتعطيل مشاريعنا , ولا مقصد لهم إلا عنتنا وضعفنا وتخلفنا , فأين نحن من توجيه رب العالمين لنا ؟ وأين من يعظم أهل الكفر اليوم ويأتمنهم ويعتمد عليهم من هذه التعاليم وهذه التوجيهات الربانية ؟ فإذا غفل المسلمون عن هذه التعاليم وهذه التوجيهات جاءت هذه الإساءات كدليل واقعي لما أخبر الله عز وجل به في كتابه العزيز لتجدد مبدأ الولاء والبراء في القلوب ,
وإن هذه الإساءات المكرورة لتجدد – كذلك – في قلب كل مسلم رفض المبادئ والأفكار الغربية التي تعد الأساس التي ترتكز عليه تلك الإساءات , والتربة الخصبة التي تنبت ففيها تلك القبائح , فمن تلك المبادئ :
– مبدأ الديمقراطية الغربية التي تعطي السيادة والحكم وحق التشريع والحظر والإباحة للبشر وتتنكر للقوانين الإلهية والشرائع السماوية , قال الله عز وجل : ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ)) [الأنعام:57]. وقال تعالى : ((أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا)) [الأنعام:114].
– ومن تلك المبادئ والأفكار أيضا مبدأ وفكرة الليبرالية والحرية المطلقة للفرد في أن يقول ما يشاء ويفعل ما يشاء , وتظهر تفاهة هذا المبدأ وقباحته حينما يضمن الأمن والحرية لمن يشتم الآخرين ويتعدى عليهم بلسانه ؛ بل ولمن يشتم الأديان ويتطاول على عظماء البشر , وهكذا تتناقض هذه الفكرة مع ذاتها وتتهافت في نفسها لأن إطلاق الحرية لفرد تتنافى مع حرية الآخرين . ووصل الأمر في الغرب إلى حد مطالبة القبول بتشريع جواز نكاح الرجل بالرجل , والأمة الإسلامية في غنى عن الأخذ بزبالة أفكار البشر , فعندها كتاب ربها الذي ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ .لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )) [فصلت:41- 42].
والجدير بالذكر أن الإسلام هو دين الحرية والعدالة والسماحة, فأعظم الأصول التي جاءت بها رسالات السماء ومنها القرآن هو تحرير الإنسان من العبودية للخلق بأي صورة كانت إلى العبودية للخالق وحده , فالإنسان حر من العبودية للخلق , ولكنه ليس بحر من العبودية للخالق الذي خلقه وأوجده , فلابد من تقيده بالضوابط والأصول الشرعية . في حين أن الغرب حرر الإنسان من كل شيء حتى من الخالق , ثم نصَّب الإنسان نفسه وهواه إلها معبودا من دون الله , فشتان بين حريتنا العالية وحريتهم الهابطة .
فعلى المسلمين أن يتبرأوا من أهل الكفر ومن سيئ أفكارهم ومبادئهم , ويعلموا دائما أنه ما من شر إلا ووراءه في تقدير الله خير , قال الله عز وجل : ((لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ))[النور:11].
أبو مجاهد صالح محمد عبد الرحمن باكرمان