إلا رسول الله…موقفنا من الفلم المسيء للرسول

إلا رسول الله

موقفنا من الفلم المسيء للرسول

     كم أزعجتنا هذه الإساءة التي طالت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! وكم آلمتنا هذه الجرأة على أزكى وأطهر خلق الله من قبل حثالة لا قيمة لهم . وما من مسلم في هذه الدنيا اليوم نَمَتْ إلى أذنيه أخبار هذه الإساءة إلا وهو ثائر الحال مغتاض النفس منزعج القلب, وما منهم من أحد إلا وهو يعلنها مدوية : ” إلاك يا رسول الله ” , ” روحي لك الفداء يا رسول الله ” .

     وها هي جموع المسلمين الغاضبة قد خرجت هادرة كالسيل الجارف الذي لا يقف له شيء , خرجت غضبا لربها وانتصارا لدينها ودفاعا عن رسولها الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم   ولا غرو فالإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه وتوقيره ركن من أركان الإيمان وأصل من أصول الإسلام , والإساءة له إساءة للمسلمين الذين آمنوا به رسولا نبيا , لذلك أثارت هذه  الإساءة حفيظة الملايين من المسلمين وجرحت مشاعرهم ؛ بل أصابتهم في أعز ما يملكون أصابتهم في أصل دينهم , وطعنت في أساس عقيدتهم , مما أثار ثائرثهم حتى اقتحموا بعض سفارات الدول الغربية , لاسيما السفارات الأمريكية , ومع أننا نرفض العنف , ونستنكر الشغب , إلا أننا نتفهم هذه الهبة الغاضبة , ونحمل الذين تولوا  كبر هذه الإساءة كامل المسئولية عن كل هذه الثورات , وما نتج عنها من إزهاق للأرواح وإهدار للأموال وتعطيل للأعمال .

     وكان الذي تولى كبر هذه الإساءة رجل من يهود الولايات المتحدة الأمريكية , كتب مهزلة عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم , ثم تطوع مجموعة من أغنياء اليهود بتمويل فيلم منتَج من تلك المهزلة , وقام بالتمثيل في ذلك الفلم طائفة من أقباط المهجر , وكانت ولادة تلك الإساءة في ربوع الولايات المتحدة الأمريكية وفي حضنها ترعرعت , ومع ذلك أبت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية أن توقف تلك المهزلة أو أن تتحرك في اتجاه تجريم تلك الإساءة , ولو كانت تلك الإساءة تمس الساميّة , أو كان ذلك الفلم يشير ولم من بعيد إلى نفي الهولوكوست والمحرقة اليهودية لما وقفت مكتوفة الأيدي إزاء ذلك ؛ بل سنسمع لها صخبا بالإنكار , وجهدا بالغا بالإدانة , وحركة دؤوبة للمحاكمة والمعاقبة . أما أن تكون هذه الإساءة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم  , فلا شأن لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية بها , وهذا بسبب ضعف هذه الأمة , وقلة حيلتها اليوم , وهوانها على الناس .

     لقد أساء ذلك اليهودي لنبينا الكريم  صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك الفلم إساءة بالغة , اتهمه فيه بالإرهاب , ووصمه بالشهوانية , وليس هذا الرجل هو أول الطاعنين في محمد صلى الله عليه وآله وسلم , ولسنا أول الذائدين عن عرضه , فقد كانت قريش في أول أمرها تعيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , وتنتقص من شأنه , وكان شاعرها أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأخوه من الرضاعة كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسيء إليه , فانبرى له شاعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسان بن ثابت رضي الله عنه , وذب عن عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقصيدة عصماء تصلح للرد على كل متطاول على محمد صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيها :

               لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ    …       سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ

               فَنُحْكِمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا  … وَنَضْرِبُ حِينَ تَخْتَلِطُ الدِّمَاءُ

              أَلَا أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ  عَنِّي    …       مُغَلْغَلَةً فَقَدْ بَرِحَ الْخَفَاءُ

              بِأَنَّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْكَ عَبْدًا    …     وَعَبْدُ الدَّارِ سَادَتُهَا الْإِمَاءُ

              هَجَوْتَ مُحَمَّدًا وَأَجَبْتُ عَنْهُ  …    وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ

              أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ  …       فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ

              هَجَوْتَ مُبَارَكًا بَرًّا حَنِيفًا     …      أَمِينَ اللَّهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ

              أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ …     وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ؟

              فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي      …   لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ

              لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيهِ    …     وَبَحْرِي لَا تُكَدِّرُهُ الدِّلَاءُ

     فجزاك الله يا حسان خير الجزاء على هذا الدفاع العظيم عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم .

     ثم إن أبا سفيان بن الحارث أسلم يوم الفتح رضي الله عنه , وعرف صدق حسان رضي الله عنه في قوله : ” هَجَوْتَ مُبَارَكًا بَرًّا حَنِيفًا     …     أَمِينَ اللَّهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ ” .

     فهذا هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو البر هو السماحة هو العفو هو الكرم بأبي هو وأمي , لقد كانت قريش تعاديه كل المعاداة فلما كان يوم الفتح وقدر عليهم ” لَجَأَتْ صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ وَعُظَمَاؤُهَا إِلَى الْكَعْبَةِ … فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَتَّى طَافَ بِالْبَيْتِ … حَتَّى إِذَا فَرَغَ وَصَلَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِعَضَادَتَيِ الْبَابِ ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تَقُولُونَ؟» قَالُوا: نَقُولُ: ابْنُ أَخٍ، وَابْنُ عَمٍّ رَحِيمٌ كَرِيمٌ، ثُمَّ عَادَ عَلَيْهِمُ الْقَوْلَ قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: ” فَإِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ: (( لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُو أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )) [يوسف: 92] فَخَرَجُوا فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ” [السنن الكبرى للنسائي :10/154]. فهل هذا إرهابي؟ هل رأيتم قط سماحة ورحمة وعفوا في الدنيا كهذه السماحة وهذا العفو وهذه الرحمة  ؟ فهذه رحمته بأعدائه وهذا عفوه عنهم بعد المقدرة , ولم يوصف رسول الهدى صلى الله عليه وآله وسلم إلا بذلك حتى من قبل أعدائه الذين عرفوه وخبروه , فما يضره أن يتقوّل عليه نكرات اليهود وسفهاء النصارى اليوم , وإنما الضرر لاحق بأتباعه , والرزية نازلة بأنصاره , وواجبنا هو أن ننصر رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ولكن بطرق سلمية وأساليب حضارية.

                                                                                         أبو مجاهد صالح محمد عبد الرحمن باكرمان .

زر الذهاب إلى الأعلى