خطبة جمعة بعنوان  المسجد الأقصى مكانته وواجب نصرته -مفرغة-

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له

أيها المسلمون

     إن المسجد الأقصى من أعظم البيوت المقدسة عند الله عز وجل، ومن أشرف البيوت في دين الله وعند أنبياء الله ، فالمسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام ، وثاني بيت عبادة وضع في الأرض، فأول بيت من بيوت العبادة وضع في الأرض هو المسجد الحرام، قال الله عز وجل: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ)[سورة آل عمران: 96].

     ثم وضع بعده المسجد الأقصى، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ ؟ قَالَ :الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ “. قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ :ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى “. قُلْتُ : كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ :أَرْبَعُونَ “. ثُمَّ قَالَ :حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، وَالْأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌرواه البخاري.

    وقد أعاد نبي الله سليمان عليه السلام بناء المسجد الأقصى ووسعه، ولم يكن هو الذي وضعه أولا.

     والمسجد الأقصى عباد الله هو قبلة الأنبياء، حيث كان يتوجه إليه الأنبياء في صلاتهم.        والمسجد الأقصى هو أولى القبلتين عندنا، فقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يتوجه بالصلاة إلى بيت المقدس ، فصلى إليه نحو ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا كما جاء في الأحاديث الصحيحة، والنقل المتواتر، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب أن يتوجه بصلاته إلى المسجد الحرام، فمكث يصلي هو وأصحابه إلى بيت المقدس حتى أنزل الله عز وجل عليه (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)[سورة البقرة: 144]. فتوجه بعدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون بصلاتهم إلى المسجد الحرام وإلى الكعبة المشرفة.

      والمسجد الأقصىعباد اللههو مسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدجى، وبوابة الأرض إلى السماء، فإن الله عز وجل لما بعث رسولنا الكريم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وأكرمه ربه جل جلاله بالإسراء والمعراج، كان الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حيث جمع الله عز وجل له هناك كل الأنبياء، أنبياء الله أشرف خلق الله أحياهم الله عز وجل كلهم وجمعهم في المسجد الأقصى فأمهم فيه رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وصلى بهم، ثم كان المعراج من المسجد الأقصى إلى السماء، وفي كل ذلك دلالات عظيمة على عظم شأن المسجد الأقصى، وعلو مكانته عند الله سبحانه وتعالى ، قال الله عز وجل : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[سورة اﻹسراء: 1].

     والمسجد الأقصى مسجد مبارك، وكل ما حوله مبارك بنص القرآن الكريم.

      والمسجد الأقصىعباد اللههو ثالث الحرمين الشريفين منزلا وفضلا، فأفضل المساجد عند الله عز وجل، وأعظمها منزلة في ديننا، وأعظمها درجة وأجرا المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد النبوي بالمدينة المنورة، والمسجد الأقصى بالقدس الشريف، وفي ذلك أحاديث ومنها الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ :لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَىرواه البخاري ومسلم . فهذه المساجد الثلاثة لها ميزتها وخاصيتها على ما سواها من المساجد.

     هذه الفضائل وغيرهاعباد اللهتدلنا على أهمية المسجد الأقصى، وعلى منزلته العظيمة في الإسلام، فالمسجد الأقصى يرتبط بعقيدة المسلمين وعبادتهم وشريعتهم، والمسجد الأقصى معظم في القرآن ومبجل في السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.

    وقد عرف الصحابة رضي الله عنهم هذه المنزلة للمسجد الأقصى، وعرفها المسلمون، فها هو عمر رضي الله عنه وأرضاه يفتح فلسطين، ويحرر المسجد الأقصى من براثن الروم، ويذهب بنفسه ليستلم مفتاح القدس الشريف، ذهب بنفسه إلى فلسطين وسافر وتعنّى في سفر طويل ليستلم مفتاح القدس ولينظف المسجد الأقصى من أقذار الرومان، عرف عظمة هذا البيت، وعرفه الصحابة، وهكذا المسلمون بعدهم، فبذلوا الغالي والرخيص لتحرير المسجد الأقصى فيما بعد من رجس الصليبيين حتى توجت جهودهم بمعركة حطين التي انتصر فيها المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى. معركة حطين وما أدراك ما معركة حطين؟ معركة لم يزل المسلمون يفتخرون بها في الماضي والحاضر.

      وظل المسلمون في صولات وجولات مع الصليبيين المحتلين للأقصى حتى حرروه منهم بالكلية.

      ثم جاء اليهود في هذا الزمان، وأرادوا أن تكون فلسطين وطنا قوميا لهم فحاول زعيم الصهيونية  هرتزل مع السلطان العثماني السلطان عبد الحميد ليبيعه أرض فلسلطين، وعرض عليه إغراءات كبيرة فرفض السلطان عبد الحميد رحمه الله تعالى وقال: لا أبيع قدما واحدة منها؛ لأنها ليست ملكا لي، وإنما هي ملك لأمتي.

    وجاءت بعد ذلك العصابات الصهيونية بمعاونة المحتل البريطاني إبّان الاحتلال البريطاني لفلسطين، واندلعت الانتفاضات والثورات الإسلامية ضد الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية، وكان من أشهر تلك الثورات ثورة الشيخ عز الدين القسام الذي استشهد في أرض فلسطين رحمه الله تعالى، وهو أصلا من علماء سوريا لكنه باع بيته في سوريا وترك أرضه وأخذ أسرته وهاجر إلى فلسطين دفاعا عن الأقصى والقدس حتى تقبله الله عز وجل شهيدا بإذن الله تعالى فضرب أروع الأمثلة في معرفة فضل الأقصى والقدس، وضرب أروع الأمثلة في التضحية والجهاد من أجل الأقصى والقدس.

    ثم قامت بعد ذلك دولة اليهود في فلسطين أو الكيان الصهيوني الخبيث بمؤامرة من بريطانيا والغرب، فهب العرب كلهم لمحاربة هذا العدو الغاشم المحتل حبا في الأقصى وحبا في القدس الشريف ، فقامت      الحروب العربية مع الكيان الصهيوني ، ولكنها  باءت بالفشل أمام هذا العدو؛ لأنها جعلت القضية الفلسطينية قضية عربية فحسب.

    ثم أذن الله عز وجل بانتفاضة الأقصى التي جعلت من القضية الفلسطينية قضية إسلامية لا قضية عرفية فحسب، وجاء أطفال الحجارة ورماة المقاتل فمرغوا أنف الكيان الصهيوني، فهبت أمريكا وهب الغرب والشرق ليحتووا هذه الانتفاضة بمسلسل الاستسلام والتطبيع مع اليهود، ولكن هيهات فقد ولدت من رحم الانتفاضة مقاومة باسلة شعارها التكبير،  وغايتها التحرير.، وارتباطها بالعلي الكبير.

     فاعرفوا أيها المسلمون للمسجد الأقصى فضله ومنزلته، واعلمو أن تحرير المسجد الأقصى وكل فلسطين واجب في عنق هذه الأمة، وعلى كل منا من هذا الواجب بقدر إمكاناته واستطاعته.

     قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

      الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

أيها المسلمون عباد الله، اتقوا الله حق تقواه

عباد الله

     إنه لمن الواجب على المسلمين أن يحاربوا اليهود المعتدين المحتلين لفلسطين، حتى لو كان اليهود يسالمون الفلسطينيين، ويسمحون لهم بالتنقل بحرية، ووحتى لو كانوا يسمحون لهم التعبد في المسجد الأقصى دون اعتداء؛ لأنهم غزاة محتلين، فكيف والحال أنهم يضيقون الخناق على إخواننا الفلسطينيبن في حركتهم وفي بنائهم وفي بيعهم وفي شرائهم وفي صيدهم وفي رزقهم وفي كل شيء، ويعتدون عليهم ليل نهار يعتدون عليهم بالضرب والسجن والقتل، ويضيقون عليهم حتى في العبادة فلا يسمحون لهم بالصلاة والعبادة في المسجد الأقصى، ورأينا ما رأينا في رمضان، كيف يعتدون على المصلين وعلى المعتكفين في المسجد الأقصى ويعيثون في باحات الأقصى فسادا، حتى جعلوا من أروقة الأقصى ساحة حرب؟ وكيف يعتدون على الناس في حي الشيخ جراح، ويخرجونهم من ديارهم بالقوة ليخلوا ذلك الحي من الفلسطينيين تمهيدا لهدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم؟ ولم فقتال اليهود في فلسطين واجب أولا؛ لأنهم غزاة محتلون، وواجب ثانيا؛ لأنهم ظلمة معتدون. قال الله عز وجل : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[سورة الحج: 39 – 40].

     واعملوا عباد الله أنه لم يوقف الصهاينة من طغيانهم واعتدائهم على أهالي حي الشيخ جراح،  ولم يوقف اليهود من عبثهم بساحات المسجد الأقصى إلا صواريخ المقاومة التي وصلت إلى تل أبيب، فخرج بعدها فئران اليهود من باحات المسجد الأقصى مخزيين ذليلين،

     إن إخواننا هناك في فلسطين في معركة مع العدو الصهيوني، وحق المسلم على المسلم أن يقف في صفه، وأن ينصره بما أمكنه من أنواع النصرة باليد واللسان، وأدنى درجات النصرة النصرة باللسان بالدعاء والتأييد والتشجيع والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، كيف وهم يقومون بالواجب الذي علينا وعلى الأمة من نصرة الأقصى والدفاع عنه ومصاولة العدو، يكفوننا الواجب الذي علينا تجاه المسجد الأقصى المقدس.

     واحذر كل الحذر عبد الله أن تكون من أهل الشماتة، فتكون مثل الذين قال الله عز وجل فيهم : (الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[سورة آل عمران: 168].

     احذر كل الحذر عبد الله أن تكون من المخذلين، الذين قال الله عز وجل فيهم : (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[سورة اﻷنفال: 49].

وقال تعالى تثبيتا لأهل الإيمان Lوَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)[سورة النساء: 104].

     احذر كل الحذر عبد الله أن تكون من الذين يؤثرون الدنيا على الآخرة، ويقدمون مصالح الدنيا على الدين الذين يتولون الكافرين من دون المؤمنين. قال الله عز وجل : (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)[سورة المائدة: 52].

  فنسأل الله تعالى أن يأتي بالفتح، وأن ينصر عباده المجاهدين والمرابطين في فلسطين، وفي كل مكان، اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم، واجمع على الحق كلمتهم.

     اللهم عليك باليهود المعتدين، وإخوانهم المنافقين، وأعوانهم المؤيدين، اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم، واجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين.

   اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

زر الذهاب إلى الأعلى