خطبة وأن هذا صراطي مستقيما فأتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله -مفرغة –
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون عباد الله
اتقوا الله حق تقواه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[سورة آل عمران :102].
عباد الله
إن الله عز وجل أمرنا في كتابه العزيز باتباع صراطه المستقيم، وحذرنا فيه من اتباع طرق أهل الجحيم، فقال سبحانه وتعالى (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[سورة اﻷنعام: 153].
( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ) الصراط هو الطريق الواسع المستقيم، وهو صراط الله المستقيم الذي يوصل إلى الله عز وجل ويوصل إلى الجنة، صراط واحد وحول هذا الصراط سبل متفرقة عن يمينه وعن شماله وقد حذرنا الله عز وجل من اتباع السبل التي تذهب بنا عن الصراط المستقيم يمنة أو يسرة فنضل ونفترق عن الهداية وعن طريق الحق (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) أي تتفرق بكم عن سبيله وتؤخذ بكم بعيداً عن سبيله المؤدي إليه، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما جاء في القرآن بأحسن بيان صلوات ربي وسلامه عليه، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود رضي الله عنه قَالَ : خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ خَطًّا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ : ” هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيمًا “. قَالَ : ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ : ” هَذِهِ السُّبُلُ، وَلَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ “. ثُمَّ قَرَأَ : ” { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ } “رواه أحمد .
صراط الله المستقيم هو الإسلام، صراط الله المستقيم هو الكتاب والسنة، صراط الله المستقيم هو ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورضوان الله عليهم أجمعين، هو ما كان عليه أئمة الهدى أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة الهدى رحمهم حميعا، وأما السبل فهي التي تمضي بنا بعيداً عن الإسلام عن أصوله عن عقائده عن آدابه عن شرائعه عن شعائره، تذهب بنا بعيداً عن الصراط المستقيم بانحراف قليل أو كثير، فالمسلم هو الذي يبقى ثابتا على الصراط المستقيم في كل صغير وكبير.
وإن من رحمة الله عز وجل بنا وحرصه جل جلاله علينا أن بين لنا الصراط المستقيم، ووجهنا إلى أن نسأله الصراط المستقيم، وجهنا سبحانه وتعالى إلى أن نداوم ونداوم على أن نسأله الصراط المستقيم والهداية إلى الصراط المستقيم وعلى الصراط المستقيم وبيّن لنا الصراط المستقيم، بين لنا أن الصراط المستقيم هو الصراط الذي أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن الصراط المستقيم يقتضي مجانبة طرق أهل الجحيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين قال سبحانه وتعالى في فاتحة الكتاب، على لسان عباده: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)
[سورة الفاتحة: 6 – 7].
هذا توجيه من رب العالمين جل جلاله في سورة الفاتحة، توجيه لعباده في سورة الفاتحة التي لا تصح صلاة إلا بها، بل لا تصح ركعة من صلاة إلا بها، ويقرأها المسلم سبع عشرة مرة على أقل تقدير في يومه وليلته، يقرأ المسلم هذه الآيات سبع عشرة في يومه وليلته على أقل تقدير، وذلك في الفروض الخمسة، (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) أرشدنا ودلنا على الصراط المستقيم، ثم يفسر لنا الصراط المستقيم، ما هو الصراط المستقيم؟ (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) من هم الذي أنعم الله عليهم؟ هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، ليس منهم كفرة ليس منهم الفسقة وليس منهم الفجرة وليس منهم أهل الضلال، هؤلاء الذين أنعم الله عليهم (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) ثبتنا على الصراط المستقيم (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) ثم ماذا؟ يزيدنا تفسيراً للصراط المستقيم ويقول سبحانه وتعالى: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) أي: هذا الصراط صراط غير المغضوب عليهم وصراط غير الضآلين، صراط من تفسير الصراط المستقيم أنه غير صراط المغضوب عليهم وغير صراط الضآلين، فلا سبيل إلى الاستقامة على الصراط المستقيم إلا بمجانبه صراط أهل الجحيم صراط أهل الكفر صراط المغضوب عليهم وصراط الضآلين. من هم المغضوب عليهم؟ ومن هم الضآلون؟ أجمع المفسرون أن المغضوب عليهم هم اليهود وأن المراد بالضالين النصارى، بإجماع المسلمين لا خلاف بينهم في ذلك البتة منذ بعث الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذه القرون وأهل الإسلام مجمعون على أن المغضوب عليهم اليهود والضالين النصارى، ولكن لماذا اليهود مغضوب عليهم؟ ولماذا النصارى ضالون؟ قال أهل العلم: إن اليهود مغضوب عليهم؛ لأنهم علموا الحق ولم يعملوا به، وكل من علم الحق علم الطريق ولم يعمل به وحدّ عنه فإنه مغضوب عليه. والنصارى ضالون؛ لأنهم عملوا بدون علم، فضلوا عن الطريق وسلكوا مسالك غير مسالك الإسلام وغير مسالك الشريعة التي يريدها الله سبحانه وتعالى، وكل من عمل بغير علم ولا هداية من الكتاب والسنة فهو ضال لهذا قال الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى : “من ضل من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن ضل من عُبّادنا ففيه شبه من النصارى” كل من علم الطريق وضل عنه عن قصد من أجل الدنيا ومن أجل الشهوات فهو من المغضوب عليهم، وكل من ضل عن الطريق بغير علم ولا استهداء بالدين والشرع، وابتدع في دين الله فإنه من الضالين، والمسلم المستقيم على الصراط المستقيم مجانب لصراط الذين غضب الله عليهم ومجانب لصراط الضالين، إذاً نحن نتبرأ عباد الله من طريق اليهود وأشباههم ومن طريق النصارى وأشباههم في كل يوم سبعة عشر مرة على أقل تقدير، وهذا يدل على أهمية هذه القضية قضية المصارمة والمخالفة والمجانبة والتبرئ من طريق أهل الضلال أهل الكفر فهذا عباد الله من صميم الولاء والبراء الذي هو من صميم العقيدة اتباع اليهود والنصارى من موالاتهم ومن توليهم وقد نهى عز الله وجل عن تولى اليهود والنصارى قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[سورة المائدة: 51].
(لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاء) لا تتخذوهم أحبابا، لا تتخذوهم أنصارا، لا تكونوا لهم أتباعا (لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) بعضهم يتولى بعض أي: بعضهم يحب بعضا، وبعضهم ينصر بعضا، “وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ” هنا يأتي الوعيد، “وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ” من يتولهم منكم في كفر فإنه منهم في الكفر، ومن يتولهم منكم في حرام فإنه منهم في الحرام، “وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”.
ويحذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مجرد المشابهة لأهل الكفر كما جاء في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:” من تشبهه بقوم فهو منهم” رواه أحمد وأبو داود.
” من تشبه” مَنْ : اسم شرط يعم كل شخص،” من تشبهه بقوم” “قوم” نكره في سياق الشرط فتعم، سواء كانوا يهودا أو نصارى أو مشركين “من تشبهه بقوم” وتشبه مطلق في أي شيء مما يتعلق بالدين أو الثقافة أو العادات أوالتقاليد ليس بشرط الاعتقاد” من تشبهه بقوم فهو منهم” فهو منهم بما تشبه به “من تشبهه بقوم” في الكفر فهو منهم في ذلك الكفر، ومن تشبه بقوم في ضلال فهو منهم في ذلك الضلال، هكذا أيها الأحبة حكم عام” من تشبهه بقوم فهو منهم” نص واضح.
وقد يسأل البعض: لماذا هذا التشديد؟ لماذا هذا التعميم من النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؟ هل تريد أن تعلم لماذا يا عبدالله؟ اعلم عبدالله أن ذلك من أجل أن يتميز المسلم عن غيره من الناس، من أجل تتميز هذه الأمة بعقائدها وثقافتها، بعاداتها وتقاليدها المنبثقة عن دينها، القصد هو التميز لهذه الأمة العظيمة، لتكون أمة متميزة، أمة معتزة، أمة عزيزة رفيعة، التميز أن تتميز هذه الأمة ولا تتشبه بغيرها، لا تتنازل لا تتراخى لا تلين، وذلك من أجل البقاء والنقاء، من أجل بقاء ونقاء العقائد والأفكار من أجل هذا يشدد النبي صلى الله عليه آله وسلم، فإنه حينما تتميع الأمور، وتتسيب الأمور، ويتشبه أهل الإسلام بأهل الكفر والضلال تتميع العقائد، وتتميع الأفكار، وتتميع التميزات، ولا يبقى فارق بين مسلم وكافر، ولايبقى فارق بين عقيدة وعقيدة، ولايبقى فارق بين فكرة وفكرة، وحينها هل يتمسك المسلم بعقيدة متميعة مع غيرها من العقائد؟ أو بفكرة متميعة مع غيرها من الأفكار؟ هل يعتز المسلم حينها بفكر أو عقيدة؟ بماذا يعتز وقد تميعت العقائد والأفكار؟ بماذا يعتز؟ وإلى ماذا يدعو؟ ينتهي كل شيء، التميز من الأهمية بمكان لأن القضية تتعلق بالعقيدة والفكر وأساس الأمة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشدد في قضية التميز أعظم التشدد، وأنتم تعلمون حديث صوم عاشوراء كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم عاشوراء وما صامه إلا لأن الله سبحانه وتعالى أوحى إليه بذلك شكراً على نعمة أنعمها الله عز وجل على موسى ومن معه، حينما تكون القضية تتعلق بعقيدة صحيحة أو شريعة عادلة نجتمع فيها مع اليهود أوالنصارى أو مع أهل الكتاب، فهذه قضية واضحة مع موسى عليه السلام ومن معه من أهل التوحيد وأهل الإسلام فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم يوم عاشوراء شكرا لله تعالى على نجاة أهل التوحيد من بني إسرائيل، ولكن ماذا عن اليهود المتأخرين الذين حرفوا وبدلوا؟ لهذا جاء الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يصومون يوم عاشوراء، وهو صلى الله عليه وآله وسلم قد علم الصحابة على أن يتميزوا عن اليهود والنصارى، ومع أن المشابهة هنا في دين وفي عبادة صحيحة ليس في باطل، وليس في عبادة باطلة، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرصاً على التميز: ” لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ ؛ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ “. رواه البخاري.
لئن عشت إلى قابل أي : إلى السنة المقبلة” لأصومن التاسع” قال ذلك حتى يتميز المسلمون عن اليهود والنصارى وإن كان في عبادة صحيحة، مع أن ذلك لا يجب بإجماع المسلمين فلم يوجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم صوم عاشوراء ولا صوم تاسوعاء، فالتميز حتى في الأمور الصغيرة واليسيرة، هذا ما أراده النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الأمة حتى تكون أمة عظيمة معتزة بدينها وعقائدها وأفكارها وثقافتها.
وقال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز محذرا لهذه الأمة ومخبرا عنها أنها سقع فيما وقع فيه من كان قبلها من الأمم قال سبحانه وتعالى : (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[سورة التوبة: 69].
(فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ) بحظهم من الدنيا ومن الملذات والشهوات، وأنتم كذلك وقعتم فيما وقعوا فيه من الملذات والشهوات (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ) وماذا أيضاً: (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا) خضتم في العقائد الباطلة، والبدع المضلة كالذي خاضوا، ثم ما هي النتيجة؟ (أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)
وكما حذرنا الله عز وجل من الوقوع فيما وقعت فيه الأمم قبلنا حذرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذلك، ففي الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ : ” لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ “. قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ : ” فَمَنْ ؟ “. رواه البخاري ومسلم، “لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ” طرق من كان قبلكم، هذا خبر يقين يخبرنا به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما وقعت الأمم قبلنا من الزيغ والضلالة ستقع فيه هذه الأمة “شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ”، حتى لو دخلوا في أضيق المسالك وأردأ السبل لفعلت هذه الأمة مثل فعلهم،
وهذا ما وقعت فيه هذه الأمة حقيقة والعياذ بالله، هذا ما وقعت في هذه الأمة مع الأسف الشديد .
فاتقوا الله عباد الله فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد حذركم وبين لكم.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبنا على هذا الدين، وعلى سبيل محمد بن عبدالله صلوات ربي وسلامه عليه.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المسلمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد،
أيها المسلمون عباد الله
اتقوا الله حق تقواه
عباد الله
إن مما وقعت فيه هذه الأمة من المخالفة واتباع أهل الكفر الاحتفال بأعياد الكفار، والمشاركة لهم فيها وتهنئتهم عليها. والأعياد من الشرائع، الأعياد الدينية للأمم من شرائعها ومن دينها، وقد قال الله سبحانه وتعالى: ( ۚلِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا )[سورة المائدة: 48]. فلا يحل للمسلم أن يتابع أو يشارك في عيد اليهود أو النصارى أو المشركين؛ لأنه يتابع ويشارك بذلك في شرعة اليهود وشرعه النصارى وشرعة المشركين.
وقال سبحانه وتعالى في وصف عباد الرحمن (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)[سورة الفرقان: 72].
ومن الزور أعياد الكفار من اليهود والنصارى والمشركين، وكذلك فإن أعياد أهل الكفر قطعاً من اللغو وعباد الرحمن يجتنبون اللغو مطلقاً.
ومن الأعياد التي يحرم أن يشارك فيها المسلم أو أن يهنئ عليها عيد الميلاد عيد ميلاد المسيح أو ما يسمى بالكريسماس، حيث يحتفل فيه النصارى بعيد ميلاد المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وعيسى عندنا هو عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ولكن من هو عيسى عند النصارى؟ هو عندهم ابن الله أو هو الله أو هو ثالث ثلاثة هذه مذاهب النصارى المسيحين في عيسى عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ)[سورة المائدة: 17].
وقال تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ )[سورة المائدة: 73].
سبحانه وتعالى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ)[سورة التوبة: 30].
وهم يعيدون ويحتفلون بميلاد الرب أو بميلاد ابن الرب أو بميلاد الاقنوم الثالث في التثليت، هذا هو الذي يحتلفون به، والذي يشاركهم في هذه العقيدة الباطلة والذي يهنئ على هذا العيد يهنيئهم على العقيدة الباطلة، حتى قال بعض العلماء: إن التهنئة على هذا العيد كفر بالله عز وجل، لأنه حين يهنئهم على هذا العيد كأنه يقول لهم: ليهنأكم ويسعدكم أن تحتفلوا بالتثليت أوبابن الرب أوبالرب، وهذا بلا شك أشد خطورة من أن تهنئ عاص على معصيته، أشد من أن تهنئ زان على الزنى أو سارق على السرقة عياذا بالله، التهنئة بهذا العيد جريمة عظيمة.
نعم يجوز أن يهنئ المسلم اليهود والنصارى على أمر دنيوي، على فوز ولد، على ولادة مولود، على قدوم قادم من سفر، فيهنئه بما ليس رفعة لدينه، فهذا جلئز باتفاق المسلمين، وأما تهنئتهم على عقائدهم وأديانهم وأعيادهم فلا تجوز باتفاق المسلمين، فلا نخلط بين القضيتين. النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أكثر الناس سماحة، كان أكثر الناس أخلاقاً، كان عنده اليهود والنصارى، وكان يحسن معاملتهم صلى الله عليه وآله وسلم، فهل كان يهنئهم على أعيادهم؟ كلا والله. بل لو هنأ مسلمٌ كافراً على عيده كان غاشاً له؛ لأنه عندما يهنئه على هذا العيد كأنه يقول له :أنت على حق فامض على ما أنت عليه” وهذا غش وخديعة وما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك، فالحذر الحذر عباد الله لتتميز هذه الأمة بدينها بعقائدها، بأفكارها، بثقافتها بعاداتها، وتقاليدها المبثقة عن دينها.
حافظوا على عقيدتكم، حافظوا على تميزكم، لا تتشبهوا باليهود ولا بالنصارى.
وكذلك مما يدخل في عموم النهي عن التشبه بالكفار الاحتفال بأعياد رأس السنة، وهذا أقل درجة من الاحتفال بعيد الميلاد، ولكن مع ذلك لا ينبغي للمسلم أن يتشبه بالكفار في أي شيء من ذلك.
أسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم على الإسلام، وأن يثبتنا
لتحميل الخطبة من هنا