هل يجوز تكرار العمرة في السفرة الواحدة
رقم الفتوى ( 3683 )
السؤال : هل يجوز تكرار العمرة في السفرة الواحدة؟
علما بأنني سمعت مقطعا للشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن تكرار العمرة بدعة وجهل من يفعلونه، واستدل على ذلك بأن النبي صلى الله عليهوآله وسلم لم يعتمر عن زوجته خديجة رضي الله عنها ولا عن أحد من أقربائه.
الجواب : جواز تكرار العمرة هو قول جمهور علماء المسلمين، ومنهم أبو حنيفة والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى.
وإن كان الحنابلة يرون الفصل بين العمرة والعمرة وترك الإكثار من التكرار. لكن معتمد مذهبهم جواز تكرار العمرة من حيث الأصل.
وذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى إلى عدم جواز تكرار العمرة في السفرة الواحدة، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله اختارها شيخالإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهنا مربط الفرس، فما اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يبالغ في تقريره الشيخ ابن عثيمينرحمه الله غالبا ويرد ما سواه، وما كان له ذلك، والأشد من ذلك أن يحكم بجهل من أخذوا وعملوا بقول جمهور الأئمة، ولو أنه اختار القولالمقابل لقول الجمهور من بين الأقوال دون تجهيل للآخرين لكان مقبولا منه،؛ لأنه إمام وعلم من أعلام الأمة وله أن يختار ما يؤديه إليه اجتهادرحمه الله تعالى.
وقد استدل جمهور الأئمة على جواز تكرار العمرة بأدلة منها قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ” الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَابَيْنَهُمَا…” رواه البخاري ومسلم.
فالحديث يدل على أنك كلما اعتمرت عمرة بعد عمرة كفرت عنك الذنوب التي بينهما، ومن لم يكن له ذنب باقي كتبت له حسنات، ولا يظلم ربكأحدا، والحديث مطلق لم يقيد بزمن بين العمرة والعمرة، ولم يقيد بكون العمرة بسفر جديد، فأخذ جمهور العلماء بهذا الحديث النبوي علىعمومه وإطلاقه ومن أخذ بحديث نبوي صحيح وعمل على الأصل بعمومه وإطلاقه لأنه لم يظهر له ما يخصص أو يقيد فهذا لا يقال له جاهل،كيف يقال لمن اتبع الأئمة في هذا جاهل؟
واستدل بعض الجمهور أيضا بحديث عائشة رضي الله عنها أنها اعتمرت عمرة ثانية من التنعيم بعد عمرتها التي أدخلت عليها الحجقرانا .
وأما أنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكرر العمرة ولم يعتمر لأقربائه فلا يمنع الاستدلال بعموم حديثه السابق؛ لأن النبيصلى الله عليه وآله وسلم قد يترك العمل خشية أن يفرض علينا، وقد يتركه لعذر، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مشغولا بمنمعه من الناس الذين حجوا معه وهم عشرات الألوف، وتجد الواحد منا اليوم إذا كان مسئولا عن حملة يشق عليه تكرار العمرة والقيام بالكثيرمن التطوع بسبب المسئولية فكيف بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين كان رسولا ومفتيا ومعلما وقائدا؟
قال الإمام النووي رحمه الله في [المجموع: 7/116]:
“( فرع ) : في مذاهبهم في تكرار العمرة في السنة :
مذهبنا أنه لا يكره ذلك بل يستحب , وبه قال أبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء من السلف والخلف , وممن حكاه عن الجمهور الماورديوالسرخسي والعبدري , وحكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وعطاء وغيرهم رضي الله عنهما
وقال الحسن البصري وابن سيرين ومالك : تكره العمرة في السنة أكثر من مرة ; لأنها عبادة تشتمل على الطواف والسعي فلا تفعل فيالسنة إلا مرة كالحج.
واحتج الشافعي والأصحاب وابن المنذر وخلائق بما ثبت في الحديث الصحيح أن عائشة رضي الله عنها أحرمت بعمرة عام حجة الوداع, فحاضت , فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بحج ففعلت , وصارت قارنة ووقفت المواقف , فلما طهرت طافت وسعت فقال لها النبيصلى الله عليه وسلم قد حللت من حجك وعمرتك , فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمرها عمرة أخرى , فأذن لها فاعتمرت منالتنعيم عمرة أخرى. رواه البخاري ومسلم مطولا , ونقلته مختصرا.
قال الشافعي : وكانت عمرتها في ذي الحجة , ثم أعمرها العمرة الأخرى في ذي الحجة , فكان لها عمرتان في ذي الحجة .
وعن عائشة أيضا ” أنها اعتمرت في سنة مرتين. أي: بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ” وفي رواية ثلاث عمر.
وعن ابن عمر أنه اعتمر أعواما في عهد ابن الزبير مرتين في كل عام.
ذكر هذه الآثار كلها الشافعي , ثم البيهقي بأسانيدهما .
( وأما ) الحديث الذي ذكره المصنف فليس فيه دلالة ظاهرة ; لأنها لم تقل : اعتمر في ذي القعدة وشوال من سنة واحدة
واحتج أصحابنا أيضا في المسألة بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما } رواهالبخاري ومسلم , وسبق ذكره في أول كتاب الحج , ولكن ليست دلالته ظاهرة , وإن كان البيهقي وغيره قد احتجوا به , وصدر به البيهقيالباب
فقال بعض أصحابنا : وجه دلالته أنه صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين كون العمرتين في سنة أو سنتين , وهذا تعليق ضعيف .
واحتج أيضا بالقياس على الصلاة فقالوا : عبادة غير مؤقتة , فلم يكره تكرارها في السنة كالصلاة.
قال الشافعي في المختصر : من قال : لا يعتمر في السنة إلا مرة مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني حديث عائشة السابق.
( فإن قيل ) قد ثبت في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ” ارفضي عمرتك وامتشطي وأهلي بالحج” ففعلت , ثم اعتمرت, وهذا ظاهره أنه لم يحصل لها إلا عمرة واحدة.
( فالجواب ): أنها لم ترفضها , يعني الخروج منها والإعراض عنها ; لأن العمرة والحج لا يخرج منهما بنية الخروج بلا خلاف وإنما رفضهارفض أعمالها مستقلة ; لأنها أحرمت بعدها بالحج , فصارت قارنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” ارفضيها ” أي اتركي أعمالها المستقلةلاندراجها في أفعال الحج
( وأما ) امتشاطها , فلا دلالة فيه . قال القاضي أبو الطيب وغيره ; لأن المحرم يجوز له عندنا الامتشاط
( وأما ) الجواب عن احتجاج مالك بالقياس على الحج , فهو أن الحج مؤقت لا يتصور تكراره في السنة والعمرة غير مؤقتة , فتصور تكرارهاكالصلاة والله أعلم .) انتهى كلام النووي رحمه الله.
فعلم بما ذكرت أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله خالف باختيار جمهور العلماء؛ بل وخالف معتمد مذهب الحنابلة، وليس لنا أن نعتب عليهفي اختياره، ولكن في عدم إظهاره لقول الجمهور ومعتمد مذهبه وتجهيل من خالف اختياره. رحمنا الله وإياه وغفر لنا وله.
أبو مجاهد
صالح بن محمد باكرمان