خطبة كورونا – مفرغة

إنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولَهُ.
أَمَّا بَعْدُ ؛ فَإِنَّ أصدق الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ محدثة بدعة وكل بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وكل ضلالة في النار.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[سورة آل عمران: 102].
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[سورة النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[سورة اﻷحزاب: 70].

أيها المسلمون
ما أعظمك يارب وما أعظم قدرتك يارب، وما أضعف الخلق أمامك وأمام قدرتك، كائن صغير لا يرى إلا تحت المجهر أقام الدنيا ولم يقعدها، إنه فيروس كورونا وما أدراكم ما فيروس كورونا؟
هذا الفيروس الصغير سلطه الله عز وجل على دولة من أعتى وأقوى دول العالم إنها الصين العظيمة، فإذا بها تصرخ بالعالم وتولول، أين القوة؟ أين الجبروت؟ أين العظمة؟ لقد اضمحلت أمام هذا المخلوق الصغير؟ ومن يتضاءل أمام هذا المخلوق الصغير وهو جندي من جنود الله عز وجل (وما يعلم جنود ربك إلا هو) الذي يقف ضعيفا أمام هذا المخلوق الصغير هل يستطيع أن يقف أمام قدرة الخالق سبحانه وتعالى الذي خلق الكون كله ودبره والذي بيده ملكوت كل شيء ؟

عباد الله
قديما طغى النمرود وتجبر بعد أن سيطر على كل العالم حتى أنه ادعى الربوبية، وذلك في زمن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، قال الله عز وجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[سورة البقرة: 258]. فأرسل الله عز وجل على النمرود مخلوقا ضعيفا من أضعف المخلوقات في ذلك الزمان، أرسل عليه بعوضة دخلت في أنفه واستقرت في خياشيم  رأسه ونكدت عليه حياته حتى كان يضرب برأسه في الجدران ليخفف عن رأسه الألم فلا يزيده ذلك إلا ألما حتى أهلكه الله عز وجل.
وتجبرت عاد وما أدراك ما عاد؟ إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في العباد، فقالوا (من أشد منا قوة؟) فقال الله عز وجل : (أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة؟) … فأرسل الله عز وجل عليهم (ريحا صرصرا عاتية سخرها عليهم سبع ليال…)
(وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)[سورة الفجر: 9 – 14].
أين أولئك الجبابرة فمن بعدهم؟ وأين تلك الدول؟ ذهبوا جميعا. و(إن ربك لبالمرصاد)
ولو شاء الله عز وجل أن يهلك أمة بعامة بشيء من مخلوقاته لفعل جل جلاله، ولكنه من رحمته جل جلاله رفع الإهلاك العام بعد إنزال التوراة، وإنما ينزل الله عز وجل في الأمم المتأخرة قليلا من بلائه لعلهم يرجعون ثم يرفعه عنهم.
عباد الله
إن من أعظم العبر التي يخرج بها الإنسان من هذه البلايا التي يبتلي الله عز وجل بها عباده هي الاعتراف بعظمة الله عز وجل وقدرته  وسلطانه، وضعف الخلق أمام  الخالق  سبحانه وتعالى وأمام قدرته.
قال الله عز وجل : (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا)[سورة نوح: 13 – 20]. فدعا الله عز وجل خلقه لمعرفة عظمته من خلال النظر في خلقه وآياته في الكون. وقال سبحانه وتعالى :(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[سورة الزمر: 67].
ولكن أكثر الناس لمن يعرفوا عظمته ولم يخافوا سطوته فكفروا به وخالفوا شرعه، وتجبروا وتكبروا حتى صاروا خصماء لله رب العالمين قال الله عز وجل : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)[سورة يس: 77 – 79].

فيرسل الله عز وجل عليهم عذابه وبلاءه لعلهم يرجعون، قال الله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[سورة الروم:41]. فحتى عذابه وبلاؤه سبحانه وتعالى إنما يريد به أن يذكر الإنسان ويعيده إلى ربه. وقال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[سورة اﻷنعام: 42 – 43].
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن من أعظم ما يرفع البلاء ويجلب النعمة هو الإيمان والتوبة والاستغفار، قال الله عز وجل : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ)[سورة فصلت: 6].
فاستغفروه الله إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد.
عباد الله
اتقوا الله حق تقواه
أيها المسلمون
إن داء كورونا من الأدواء المعدية نسبيا والتي قد تؤدي إلى الوفاة بنسبة 2%؛ لذلك ينبغي للإنسان أن يتعرف على أعراض المرض وأن يقوم بما يقي منه،
فأما أعراض كورونا فحرارة في البدن مرتفعة تزيد عن ٣٨ درجة، ثم يلحق ذلك سعال (كحة)، ثم يلحق ذلك ضيق في التنفس، فإذا رأى الشخص شيئا من هذه الأعراض فيه فعليه أن يبادر إلى الفحص ولا يهمل نفسه.
ولكن من دون هلع ولا خوف، وليتذكر العبد قول الله تعالى : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[سورة التوبة: 51].
وأما للوقاية من هذا المرض وغيره من الأمراض فليحرص المسلم على نظافة نفسه وبيته وبيئته، وديننا الحنيف هو دين النظافة والطهارة والاهتمام بالصحة وهذه المعاني هي من صميم ديننا، ومن العبادات التي نتعبد الله عز وجل بها، قال الله عز وجل: ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[سورة البقرة: 222].
– فاغسل عبدالله يديك بالماء والصابون قبل الأكل وبعده
– واكظم بالمنديل ما استطعت عندما تسعل أو تعطس.
– واجتنب عندما تكون مريضا اجتماعات الناس.
– وأكثروا عباد الله من شرب الماء.
ولا تنس عبد الله أن تلجأ إلى الله تعالى وأن تحرص على أذكار الصباح والمساء، وأن تدعو الله تعالى وأن تجأر إليه برفع البلاء،
ومن أهم الأدعية والأذكار التي تحفظ المسلم من الآفات واللأواء هذه الأدعية:
– أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ.
– بِاسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
– ” اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي ، وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي “.
– ” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ “.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات…

زر الذهاب إلى الأعلى