خطبة ورثة الفردوس1 – مفرغة

خطبة “ورثة الفردوس 1″

أبو مجاهد
صالح بن محمد بن عبد الرحمن باكرمان

إن الحمد لله نحمده ونستعينه…

أيها المسلمون

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ؛ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ “. رواه البخاري.
فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ
حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن تكون همة المسلم عالية وإذا سأل الله عز وجل أن يسأله الفردوس، وفي ضمن ذلك حث على طلب الفردوس بالفعل وذلك بالاتصاف بصفات أهله ووراثه.
،فمن هم ورثة الفردوس الأعلى وما صفاتهم؟
قال الله عز وجل :
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[سورة المؤمنون: 1 – 11].
هؤلاء هم ورثة الفردوس وهم المؤمنون المفلحون، فإذا أردت يا عبد الله أن تكون من ورثة الفردوس وأن تكون من الخالدين في الفردوس فعليك أن تتصف بصفات أهل الإيمان، وأن تتحلى بصفات أهل الإيمان، فما هي صفات أهل الإيمان؟
ذكر عز وجل طائفة من صفات أهل الإيمان في صدر سورة المؤمنين:
فمن صفات أهل الإيمان ورثة الفردوس الخشوع في الصلاة،
قال الله عز وجل : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[سورة المؤمنون: 2].

فأول صفات أهل الإيمان حسن الصلة بالله سبحانه وتعالى في الصلاة الخاشعة.

والخشوع هو الخضوع والتطامن،
ولا يتأتى الخشوع إلا بحضور القلب،  وأما من كان قلبه هائما في أودية الأفكار فلا خشوع له.
قال الله عز وجل : (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[سورة ق: 37].
فأحضر قلبك يا عبد الله في الصلاة وأصغ سمعك، واترك الدنيا كلها خلف ظهرك حتى تكون من الخاشعين.
ولا يتأتى خشوع القلب إلا بخشوع الجوارح، فمن خشعت جوارحه خشع قلبه، وأما من كان متلفتا بعينيه متحركا بأعضائه فلا خشوع له.
ولذلك أرشدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم  إلى النظر في مواضع السجود أثناء الصلاة ونهى عن الالتفات في الصلاة فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ، قَالَتْ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ : ” هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ ” رواه البخاري .
ولا يتم الخشوع إلا بانكسار القلب بين يدي الرب سبحانه وتعالى، وأما من كان قلبه قاسيا متصلبا فلا خشوع له. قال الله عز وجل : (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ۩)[سورة اﻹسراء: 107 – 109].
فأين نحن عباد الله من هذه الصفة؟

ومن صفات أهل الإيمان ورثة الفردوس الإعراض عن اللغو، قال الله عز وجل : (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)[سورة المؤمنون: 3].
واللغو هو الباطل من القول وما لا فائدة فيه من القول.
قال الله عز وجل في صفات عباد الرحمن : (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)[سورة الفرقان: 72].
وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ : ”  وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ “.رواه البخاري ومسلم.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ ” رواه أحمد والترمذي .
فليس من أهل الإيمان من يسب ويكذب ويلعن، وليس من أهل الإيمان من يتلفظ ببذيء القول وفاحشه ويطعن. ليس هؤلاء من أهل الإيمان ولا من ورثة الفردوس في أعلى الجنان ، بل هؤلاء متوعدون والعذاب والنيران، قال الله عز وجل :(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)[سورة الهمزة: 1]. وفي الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قَالَ : ثُمَّ قَالَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ” أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ ” قُلْتُ : بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ : ” كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا “. فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ : ” ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ – أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ – إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ” رواه أ حمد والترمذي .
فنعوذ بالله من النار، ونعوذ بالله من صفات أهل النار.

ومن صفات أهل الإيمان ورثة الفردوس أداء الزكاة
قال الله عز وجل :(وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) [سورة المؤمنون: 4].
فالمؤمن يؤدي زكاة ماله تامة لا ينقص منها شيئا، والمؤمن يصرف زكاة ماله في مصارفها التي حددها القرآن، ولا يجعل زكاة ماله وسيلة لدنياه.
وأما منع الزكاة بالكلية فهو شأن المشركين قال الله عز وجل :(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)[سورة فصلت: 6 – 7].
وأما أداء الزكاة بكره وبخل فهو شأن المنافقين  قال الله عز وجل : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ)[سورة التوبة:54]. وقال جل جلاله :(وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)[سورة التوبة: 75 – 76].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
ومن صفات أهل الإيمان ورىثة الفردوس حفظ الفرج:
قال الله تعالى :(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)[سورة المؤمنون: 5 – 7].
فيحفظ المؤمن فرجه عن الزنا:
قال الله عز وجل :(وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
[سورة الفرقان: 68 – 70].
ويحفظ المؤمن فرجه عن عمل قوم لوط وهو إتيان الذكران، وإلا فالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل عن قرى لوط: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)[سورة هود: 82 – 83].

ويحفظ المؤمن فرجه عن النظر المحرم وعن كل ما يقرب إلى الفاحشة، قال الله عز وجل : (فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)[سورة المؤمنون: 7].

وعن أبي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَى الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَى اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ “رواه البخاري ومسلم .
وبقيت صفات سيكون لنا عنها حديث في لقاء آخر وخطبة أخرى بإذن الله تعالى .
وصلوا وسلموا على من أمركم الله عز وجل بالصلاة والسلام عليه فقال سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[سورة اﻷحزاب: 56].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات…

زر الذهاب إلى الأعلى