خطبة استقبال العام الدراسي الجديد – مفرغة –
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد
فإن أصدق الكلام كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون
نقف هذه الأيام على مشارف عام دراسي جديد سيفد علينا بسهله وحزنه ويسره وعسره، وفي مستهل كل عام دراسي جديد ينطلق الآباء والأمهات، لشراء كل ما يحتاجه الأبناء والبنات، من حقيبة وزي وأقلام وكراسات، وغير ذلك من الأدوات، وحال كثير من الآباء والأمهات خليط من الفرح والحزن: فرح بتقدم أبنائهم وبناتهم، وحزن وغصة، وألم وحسرة نتيجة الغلاء الفاحش لكل الحاجيات، مع فقر الناس وقلة ذات يدهم؛ لذلك ينبغي لكل مسلم محب للخير طالب للأجر، لا سيما من أهل الغنى واليسار أن يعين إخوانه الفقراء والمساكين في هذه الظروف الصعبة، وأن ينفس كربتهم، ويزيل حسرتهم، وله بذلك أعظم الأجر، وأوسع الثواب.
قال الله عز وجل : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[سورة المائدة: 2].
ولا شك ولا ريب أن إعانة الفقراء والمساكين في هذه الظروف الصعبة من التعاون على البر والتقوى.
والوقوف مع أصحاب الحاجات، وتفريج ما بهم من كربات في مثل هذه الأوقات من شأن المؤمنين والمؤمنات، فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ” رواه مسلم.
هذا هو شأن أهل الإيمان مع إخوانهم، وهكذا هو المجتمع المسلم أعضاء في جسد واحد يستشعر كل واحد منهم ألم صاحبه.
واسمع عبد الله إلى أجر من نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا ؛ نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ ؛ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا ؛ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ” رواه مسلم.
فإذا أردت يا عبد الله أن يكون الله عز وجل في عونك فكن في عون إخوانك المسلمين، وإذا أردت أن يفرج الله تعالى كربتك في الآخرة ففرج عن إخوانك المسلمين كربهم في الدنيا.
وينبغي أن يجتهد في هذا الشأن كل من المؤسسات الحكومية والخيرية المختصة، وإخواننا التجار، والجار الموسر مع الجار.
أيها المسلمون
ثم بعد ذلك أيها المدراء الأكارم انظروا في حال المقاصف وأسعارها، فإن الكثير من الطلاب المساكين يخرجون من ديارهم دون فطور فيأتون إلى هذه المقاصف فتقصف جباههم وجيوبهم، وتقصم ظهورهم وظهور آبائهم، وتستغل حاجتهم بدلا من أن تراعي حالهم، ولا تراعوا حالة صاحب المقصف على حساب حالة مئات وربما آلاف من الطلاب.
بل إني أقدم فكرة لإدارة التربية والتعليم بالمحافظة أن تقدم وجبة إفطار خفيفة في كل المدارس حبة ساندوتش مع عصير لكل طالب وطالبة تغذي أجسامهم وتنشط عقولهم وتخفف تكاليفهم.
وهذه الفكرة تسري على المدارس الخاصة، وينبغي لتجارنا وأغنيائنا أن يساهموا في هذا المشروع الخيري العظيم.
أيها المسلمون
ولا أنسى بمناسبة الحديث عن تخفيف العبء عن الفقراء والمساكين في المدارس، أن أبعث برسالة إلى المدرسين والمدرسات أن يتقوا الله عز وجل في الفقراء والمساكين ولا يرهقوهم بما يطلبونه من الطلاب والطالبات مما ليس بضروري، سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة، فالأهل قد يكونون قد تكلفوا وأرهقوا أنفسهم حتى يوفروا مبلغا ليسجل ابنهم في مدرسة خاصة، فلا يعني أن من سجل في مدرسة خاصة أنه من الأغنياء، واسألوا مدراءكم عن تحصيل هذه المبالغ من الأهالي وعن الأقساط والمتأخرات، فاتقوا الله تعالى ولا ترهقوا الأهالي بطلب الكماليات وما تقام به الحفلات، فإنهم والله يحرجون ويتكلفون، فلا تحملوهم ما لا يطيقون.
وأنبه كذلك الأغنياء بأن لا يدللوا أبناءهم فيعطوهم مصروفا مبالغا فيه فإن ذلك يكسر قلوب الفقراء، ويولد الحسد والحقد في قلوبهم، ويدفعهم للضغط على آبائهم وأمهاتهم ويطالبوهم بالزيارة في المصروف أسوة بغيرهم.
وأعلموا أن من تواضع لله رفعه الله.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فاتقوا الله عباد الله حق تقواه
أيها المسلمون
تعلمون ما للعلم والتعليم من منزلة عظيمة في ديننا الحنيف وعند كل العقلاء من جميع الأمم، قال الله عز وجل : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[سورة العلق:1 – 5].
وقال الله عز وجل :
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ)[سورة القلم: 1 – 2].
وقال جل جلاله :(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[سورة الزمر: 9].
فلنحرص جميعا على العلم والتعليم، ولنبذل من أجل ذلك كل جهودنا.
واعلموا أيها الأبرار الأخيار أن التربية قبل التعليم، والتزكية قبل التلقين، والسلوك قبل المعلومات، قال الله عز وجل : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[سورة الجمعة: 2].
وقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : “إنما بعثت لأتتم صالح الأخلاق”
فاحرص أيها المدير واحرص المشرف واحرص أيها المعلم واحرصي أيتها المعلمة على تزكية أبنائنا وتنمية أخلاقكهم وتقويم سلوكهم أكثر من حرصكم على تعليمهم.
والله الله يا إدارة التربية والتعليم ويا أصحاب المدارس الخاصة في المعلم الذي هو أعظم أركان العملية التعليمية، احترموا مكانته، ورافعوا قدره، وأعطوه حقه، واحذروا من ظلمه واحتقاره، وحسبكم في معرفة قدر المعلم قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : “إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا ” رواه مسلم .
وصلوا وسلموا على من أمركم الله عز وجل بالصلاة والسلام عليه فقال: ” إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”.
….