خطبة العمل في العشر من ذي الحجة – مفرغة –
الخطبة الأولى
الحمد لله ذي الفضل الذي من فضله لبيان الفضل أقسم بالفجر وليال عشر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أدخرها ليوم الحشر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعلى آله وصحبه وسَلَّمَ هدانا إلى مواسم الخيرات التي يعظم فيها الأجر.
أما بعد
فاتقوا الله عز وجل حق تقواه، قال الله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[سورة آل عمران :102].
أيها المسلمون
ها هي العشر من ذي الحجة أقبلت علينا بخيرها وفضلها، وتكريمها وشرفها، وهي “خير أيام الدنيا” كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف لا تكون كذلك وفيها يوم عرفة ويوم النحر؟
وقد أقسم الله عز وجل في كتابه العزيز بالليالي العشر لفضلها وشرفها فقال جل شأنه: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)[سورة الفجر: 1 – 2].
والعمل في هذه الأيام والليالي لا يساويه عمل فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ “. يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ : ” وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ “. رواه أحمد وأبو داود بهذا اللفظ وأصله في البخاري.
وأفضل ما يتقرب به العبد إلى الله عز وجل هذه الأيام وفي كل الأيام هو ما افترضه الله عز وجل عليه من فعل الواجبات وترك المحرمات.
فمن ذلك أن يحرص المسلم على إقامة الصلاة والمحافظة عليها وأدائها في أوقاتها فالصلاة هي عمود الإسلام ودليل الإيمان والفصل بين المسلم والكفر، قال الله عز وجل :(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[سورة البقرة: 238].
وليحذر المسلم كل الحذر من إضاعة الصلاة بترك بعضها أو تفويت وقتها أو التقصير في شرطها وركنها، قال الله عز وجل :(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[سورة مريم: 59].
ومن أعظم الواجبات التي يجب على المسلم أن يحرص عليها في عشر ذي الحجة بر الوالدين والإحسان إليهما وطلب رضاهما، والتوبة من العقوق والتقصير في حقهما، قال الله عز وجل :
(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[سورة اﻹسراء: 23 – 24].
ومن الواجبات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه عز وجل في عشر ذي الحجة صلة الرحم وإيتاء ذي القربى حقه، فصل أيها المسلم رحمك واحذر من القطيعة فإنها سبب لقطع الرحمة ونزول السخط وحلول العذاب، قال الله عز وجل : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[سورة النساء: 1].
ومن الواجبات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى في عشر ذي الحجة ما أوجبه الله عز وجل على من تولى أمر المسلمين:
بأن يحفظ الأمانة
ويقوم بواجب المسئولية التي تحملها
وأن ينصح للمسلمين وأنيبذل كل الجهد في تذليل الصعاب لهم.
وأن يرفق بهم ويسعى لهم في كل سبل الرفق، والعيش الكريم
وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ : ” اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ ” رواه مسلم .
فأعظم ما يتقرب به المسئولون بعد الفرائض ما فيه رفق بالخلق وعون لهم على العيش الكريم، وإلا فإنهم معرضون لسخط الله ونقمته فالمسئولية حسرة وندامة يوم القيامة لمن لم يقم بحقها والواجب فيها.
ومن الواجبات التي يتقرب بها المسلم في عشر ذي الحجة ما يجب على تجار المسلمين من من المعاملة بالصدق دون الخيانة والكذب، والبيان دون الغش والكتمان، وأن يدعوا الاستغلال والظلم والتلاعب بأسعار السلع وقيم الأشياء، قال رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ، وَبَرَّ، وَصَدَقَ “رواه ابن ماجه.
فليكن أول ما تتقربون به أيها التجار في عشر ذي الحجة أن تحذروا من الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأن تتجنوا الغش والخديعة فإن الغش والخديعة في النار.
ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه عز وجل في عشر ذي الحجة ترك المحرمات والتوبة من الكبائر المهلكات، كالزنا والسرقة وشرب المسكرات وتعاطي المخدرات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ” رواه أحمد والترمذي.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فمن أعظم الأعمال الصالحة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى في عشر ذي الحجة الحج والعمرة، وهل يكون الحج إلا في هذه الأيام؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ “.
رواه البخاري ومسلم.
ومن أعظم الأعمال الصالحة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى في عشر ذي الحجة الصيام، وأعظم ذلك صوم يوم عرفة فعن أبي قتادة رضي الله عنه قَالَ : سُئِلَ أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ : ” يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ، وَالْبَاقِيَةَ”
رواه مسلم.
ويصوم المسلم كذلك في العشر الإثنين والخميس، وإن شاء صام العشر كلها ما عدا يوم العيد فالصوم داخل في عموم العمل الصالح.
ومن أعظم الأعمال الصالحة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى في عشر ذي الحجة
الصدقة، قال الله عز وجل : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[سورة البقرة: 261].
ومن أعظم الصدقة في هذه الأيام إطعام الطعام وكسوة العيد وصدقة اللحم، قال الله عز وجل :(لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)[سورة الحج: 28].
ومن الأعمال الصالحة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى في عشر ذي الحجة قراءة القرآن، قال الله عز وجل :(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[سورة فاطر: 29 – 30].
ومن الأعمال الصالحة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى في عشر ذي الحجة ذكر الله تعالى، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ، مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ “رواه أحمد .
ومن أعظم الذكر الذي يختص بتلك الأيام التكبير، قال الله عز وجل :(لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[سورة الحج: 37].
ويشرع التكبير في عشر ذي الحجة مطلقا ومقيدا، ويبدأ التكبير المقيد بما بعد الصلوات من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق.
ومن أعظم الأعمال الصالحة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى في عشر ذي الحجة التضحية والتقرب بالأضاحي، فالأضحية سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قال الله عز وجل: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)[سورة الصافات: 107]. والأضحية سنة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله و صحبه وسلم، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. رواه البخاري ومسلم.
وصلوا وسلموا على من أمركم الله عز وجل بالصلاة والسلام عليه فقال :(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[سورة اﻷحزاب: 56].
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات…
أبو مجاهد
صالح بن محمد بن عبد الرحمن باكرمان