حكم التثويب بالصلاة في الأذان الأول
رقم الفتوى ( 2863 )
السؤال : ياشيخ، عندنا مسجد يؤذن الفجر وفي الأذان الأول يقول: “الصلاة خير من النوم” وفي رمضان الناس تأذوا من هذا؛ لأنهم متعودين على قول: “الصلاة خير من النوم” في الأذان الثاني، علماً بأن هذا المسجد بني قريبا، ماقولك في هذا ياشيخ؟
الجواب : التثويب بالصلاة، وهو قول: “الصلاة خير من النوم” يكون فيما يسمى اليوم الأذان الثاني وليس في الأذان الذي قبل دخول وقت الفجر، وإنما وقع الوهم عند بعض المعاصرين من أهل الحديث للخطأ في المفاهيم؛ لأنه صح في الأحاديث أن قول: الصلاة خير من النوم” في “الأذان الأول” كما في الحديث عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَ : كُنْتُ أُؤَذِّنُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ أَقُولُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ : حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. رواه النسائي. وقد أخطأوا في فهمهم لمفهوم “الأذان الأول” ففسروه بمصطلح الناس اليوم وهو أنهم يقصدون ب”الأذان الأول” الأذان بليل، وهذا خطأ ف”الأذان الأول” في مفهوم الشرع هو أذان الصلاة والأذان الثاني هو الإقامة، ولهذا جاء في الحديث: ” بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ ” رواه البخاري ومسلم.
– وقد جاءت النصوص بتفسير الأذان الأول بأذان الصلاة كما في الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، وَيَسْجُدُ فِي سُبْحَتِهِ بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ فَيَخْرُجَ مَعَهُ. رواه أحمد والدارمي ورواه ابن ماجة دون قوله في آخره: “ثم اضطجع ..الخ”. و”الأذان الأول” في الحديث هو أذان الفجر الذي يكون بعد دخول الوقت والمراد بالركعتين الخفيفتين ركعتي السنة للصبح وبعدها كان النبي صلى الله عليه وسلم يضطجع.
– وأما الأذان الذي قبل الوقت فيسمى في عرف الشرع ” أذان بليل”، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ “. ثُمَّ قَالَ : وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ : أَصْبَحْتَ، أَصْبَحْتَ. رواه البخاري ومسلم.
وعَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ” إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ “.
رواه البخاري.
– ثم هذا هو الذي فهمه العلماء وتناقلوه، قال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى:
“وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ التَّثْوِيبِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ : التَّثْوِيبُ أَنْ يَقُولَ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ : الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ فِي التَّثْوِيبِ غَيْرَ هَذَا قَالَ : هُوَ شَيْءٌ أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَاسْتَبْطَأَ الْقَوْمَ، قَالَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ : قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. قَالَ : وَهَذَا الَّذِي قَالَ إِسْحَاقُ هُوَ التَّثْوِيبُ الَّذِي كَرِهَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَالَّذِي أَحْدَثُوهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي فَسَّرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ أَن َّالتَّثْوِيبَ أَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ فَهُوَ قَوْلٌ صَحِيحٌ وَيُقَالُ لَهُ :التَّثْوِيبُ أَيْضًا. وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، وَرَأَوْهُ.
فالذي نقله الإمام الترمذي رحمه الله تعالى أن التثويب كان في أذان الفجر، وأذان الفجر عند الإطلاق وفي كلام السلف هو الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت، وليس الأذان الذي يكون بليل قبل دخول الوقت.
– وقع لبعض العلماء الخطأ في تفسير النصوص بسبب التفسير بالمصطلح الحادث الذي يختلف عن المعنى الشرعي للفظ، مثل استدلال بعضهم على استحباب سنن الفطرة برواية:” عشر من السنة” والسنة بمعنى المستحب مصطلح حادث لا يجوز حصر اللفظ الشرعي فيه، فالسنة في الشرع أعم من المستحب، ويدخل فيها الواجب.
فالتثويب بالصلاة الذي هو قول: “الصلاة خير من النوم” في الأذان الأول لصلاة الفجر بمعنى الذي يسبق الإقامة، فهذا هو الأذان الأول شرعا. ولا يعرف أهل العلم غير ذلك.
والله أعلم.