كروية الأرض
هل الأرض تدور حول الشمس أو الشمس تدور حول الأرض؟
هذا السؤال يكثر طرحه اليوم، ويسأل بعضهم فيقول: أصبح الكثير من الفقهاء يتحدثون عن نظرية تسطح اﻷرض من نظرة دينية وتوجه ديني بحت . فما قولكم في هذا؟ هل يوجد دليل من القرآن أو السنة على ذلك؟
فأحببت أن أبين شيئا من هذه المسألة فأقول: مما لا شك فيه أن الأرض كروية أو شبه كروية، وهذه حقيقة متفق عليها عند المسلمين، وقد نقل بعض الأئمة إجماع علماء الإسلام على ذلك، وممن نقل الإجماع الإمام ابن حزم والإمام ابن الجوزي والإمام ابن تيمية رحمهم الله تعالى، وتسطح الأرض حقيقة لا تتنافى مع كروية الأرض؛ بل لا يمكن أن تكون الأرض مسطحة إلا إذا كانت كروية؛ لأنها لو كانت على أي شكل آخر لم تكن مسطحة من كل وجه، فلو كانت على شكل مربع أو مثلث أو قرص لكان من يمشي عليها يصل إلى حافة وهاوية، وأما الشكل الكروي فإنه يتدرج شيئا فشيئا في الانحدار ولا يقع السائر عليه على هاوية، ولأن الأرض كرة عظيمة لا تظهر للإنسان الذي يمشي عليها إلا مسطحة. ومن أظهر الأدلة العلمية القديمة على كروية الأرض أن الواقف على ساحل البحر خاصة يرى الأفق على شكل قوس. وكذلك عندما تقبل السفن يرى مقدمها قبل أن يرى مؤخرها، ولو كانت غير كروية لظهر الجزء الذي على سطح الماء منها كله دفعة واحدة.
وأما الشيء المختلف عليه عند علماء المسلمين وغيرهم فليس كروية الأرض وتسطيحها وإنما دوران الأرض حول الشمس، وهذه مسألة فيها نظريتان:
نظرية بطليموس القديمة: وهي أن الأرض هي مركز الكون والشمس تدور حول الأرض، وهذه النظرية هي التي تتوافق مع ظواهر النصوص في الكتب السماوية كالتوراة والقرآن، وهي دلالات ظاهرية ظنية لا قطعية.
والنظرية الأخرى هي النظرية الحديثة (نظرية كوبر نيكوس) وهي أن الشمس هي محور المجموعة الشمسية والأرض تدور حول الشمس.
ولما كانت هذه النظرية مستحدثة بعد نظرية (بطليموس) بعشرين قرن، ولما كانت مخالفة لظواهر نصوص الكتب المقدسة حكمت الكنيسة بكفر من يقول بها، وعلى ذلك الأساس تمت محاكمة جاليلو جاليليه؛ لأنه تابع كوبر نيكوس على نظريته، هذا هو موقف الكنيسة التي فتحت على نفسها بهذا الجزم والطغيان باب المعاداة مع العلم والفكر وأهله.
وأما علماء الإسلام فلم يجزموا بإحدى النظريتين ولم يكفروا المخالف لنظرية (بطليموس) وإن كانت ظواهر النصوص تدل لها كقول الله عز وجل: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ۗ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا)[سورة الكهف: 17]. فأثبت الله عز وجل للشمس الطلوع على الأرض والغروب عليها، وكذلك في الأحاديث مثل الحديث عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ : ” تَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ ؟ ” قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ : ” فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا : ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } “. رواه البخاري. فقال بعض العلماء: ظواهر النصوص أن الشمس هي التي تدور حول الأرض وهو الذي يعاينه الإنسان ويدركه، ولكنهم لم يكفروا المخالف ؛ لأن نصوص القرآن حول ذلك وإن كانت قطعية الثبوت فإنها ليست قطعية الدلالة وإنما دلالتها دلالة ظاهرية ظنية، وكان أشهر من تبنى هذا القول من المعاصرين ريحانة العلماء وقرة الزمان وعلم الأعلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وقد أجلب عليه الناس بخيلهم ورجلهم وقولوه ما لم يقل، وهو يصرح بأنه قال: إن ظواهر النصوص تدل على أن الشمس تدور حول الأرض وليست الأرض هي التي تدور حول الشمس، ومع ذلك فإنه صرح أنه لا يكفر ولا يضلل من خالف هذا القول.
مع أن الخلاف بين الفلكيين في هذه القضية لا زال موجودا فمن علماء الفلك من لازال يعتقد أن نظرية (بطليموس)هي النظرية الصحيحة.
والظاهر عندنا أن نظرية (كوبر نيكوس) هي الصحيحة وأما ظواهر آيات القرآن والأحاديث فخاطبت الناس على حسب ما يرون ويدركون، وحسب الصورة الظاهرية، ومن ذلك على سبيل المثال قول الله تعالى:(حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا)[سورة الكهف: 86]. فأخبر الله عز وجل أن ذا القرنين وجد الشمس (تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) والحقيقة أن الشمس لا تغرب في عين ماء متغيرة، وإنما ذلك هو الذي يرى في الظاهر، فمن وقف على شاطئ البحر ورأى الشمس تغرب رآها كأنها تسقط في عين ماء متغيرة اللون، وهذا تصوير بديع لمنظر الشمس حال غروبها ، وفيها دلالة أن ذا القرنين ربما وصل إلى سواحل المحيط الأطلسي ولم ير أمامه إلا البحر الذي لا يرى فيه إلا الشمس حين تغرب، وذلك كان منتهى الغرب في العالم القديم، فترى أن القرآن خاطب الناس بحسب إدراكهم الظاهري، وهذا يدل على أنه لا يلزم من هذه النصوص أن الشمس هي التي تدور حول الأرض.
والعلماء الذين يتمسكون بظواهر النصوص لهم عذرهم، لكن بشرط عدم الجزم بالفهم الذي يوردونه، والمشكلة عند الطرف الآخر أنه لا يقف عند حد تخطئة العالم في فهمه للنص وإنما يتجاوزه إلى تخطئة النص المقدس نفسه، ولا يضير النص المقدس فهم الناس الخاطئ له، وإنما هذا من ابتلاء الله عز وجل للخلق، حتى خطأ العلماء في فهم النص المقدس يقدره الله عز وجل ابتلاء لبعض عباده. وعلى العاقل أن يفرق بين النص المقدس وبين فهم العلماء لذلك النص سواء في هذه المسألة أو في غيرها من المسائل.
🖊 أبو مجاهد صالح بن محمد باكرمان.