خطبة الكبائر -مفرغة-
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وآله وسلم . أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
أيها المسلمون عباد الله ، إن الله عز وجل هو الذي خلق الإنسان ، هو الذي خلقنا وهو أعلم بنا سبحانه وتعالى ، هو أعلم بحالنا وهو أعلم بطبيعتنا (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) الذي خلق الإنسان يعلم حاله وطبيعته، يعلم ضعف هذا الإنسان ، خلقه من ضعف وخلقه من نقص ويعلم أنه سيلم بالمعصية ويعلم أنه سيقع في ذنب ، فالإنسان ليس من الملائكة والنبيين الضين اصطفاهم الله عز وجل ، ولما علم الله عز وجل هذا من الإنسان لم يشترط عليه لينال الحسنى في دخول الجنة ألا يلم بمعصية وأن لا يقع في هفوة ، وإنما اشترط عليه أن يجتنب الكبائر الموبقات والفواحش الظاهرات وأن لا يصر على صغيرة من الصغائر ، وهذا من عدله ورحمته سبحانه وتعالى ، قال الله عز وجل في كتابه العزيز ((ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى* الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشاكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى)) فاشترط علينا أن نجتنب الفواحش، أي: كبائر الإثم والفواحش ، (الا اللم)أي: الذي لا بد منه للإنسان. والإنسان يقع في الذنب وفي الصغائر يلم بها ولا يصر عليها ،
فكان في عدل الله سبحانه وتعالى ومن رحمته جل في علاه أن الذنوب والخطايا على قسمين :
القسم الاول “الكبائر والفواحش” التي لا يغفرها في الأصل إلا التوبة إلى الله سبحانه وتعالى ، ويلحق بها الصغائر التي يصر عليها مرتكبيها فلا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار ،
والقسم الثاني من الذنوب والخطايا هي “السيئات الصغائر” التي قد يلم بها المسلم ويقع فيها ولا يصر عليها ولا يستخف بها ، (كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ) وإذا اجتنب المسلم الكبائر والفواحش من اﻹثم ضمن الله عز وجل له أن يكفر عنه السيئات الصغائر بالحسنات الماحية: بالوضوء وبالصلاة وبالصدقة وبالصيام وبالحج والعمرة وفي الحديث ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) رواه مسلم. وغيره من الأحاديث ، وقبل ذلك قال الله سبحانه وتعالى ((وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين)) والكبائر والفواحش هي التي يجب على المسلم أن يجتنبها وأن يحرص على اجتنابها ، أن يعرفها وأن يبتعد كل البعد عنها ، وإذا وقع في شيء منها أن يتوب من ذلك وأن يسارع الى التوبة وإلى الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى ، فإذا تعامل المسلم مع الذنوب بهذه المعاملة وحرص على طاعة الله عز وجل فإنه يكون على خير كثير ويرجى له دخول جنة الله عز وجل والحسنى .
عباد الله : ما هي الكبائر ؟ ما حقيقة الكبيرة ؟ وما عددها ؟ وما أكبر الكبائر ؟
الكبيرة _ عباد الله _ والفاحشة من الذنوب هي التي سماها الله عز وجل في كتابه كبيرة أو كبير أو فاحشة ، وهي التي سماها الرسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرة أو فاحشة وهي كل معصية رتب بها الله عز وجل عليها حدا في الدنيا أو عقوبة في الآخرة أو لعن أو غضب الله سبحانه وتعالى هذا هو ضابط الكبائر ، الكبائر والفواحش والمعاصي التي رتب الله عز وجل عليها الحدود والتي توعد أصحابها بالنار والوعيد ولعن أصحابها أو غضب عليهم وهي ليست سبع كما ظن بعض الناس أو يظن وإنما ذكر النبي صلى الله عليه واله وسلم حديث من أحاديثه (سبع من أكبر الكبائر ولما سمع أبا عباس رضي الله عنهما من يقول أن الكبائر سبع قال رضي الله عنه إنها أقرب إلى السبعين منها إلى السبع ؛ بل هي أكثر من ذلك على التحقيق عند أهل العلم ، فهي مئات من الكبائر ، وقد ألف العلماء في هذا الباب وجمعوا كبائر الذنوب في كتب ليعرفوا بها المسلمين وليحذروا منها المسلمين حتى لا يقعوا فيها ، ومن أشهر ذلك كتاب الكبائر للإمام الذهبي رحمة الله عليه ، وكتاب الزواجر لابن حجر الهيثمي رحمه الله، جمعوا الكبائر وهي مئات الكبائر بعضها أكبر من بعض وبعضها أعظم من بعض ، فليست في مرتبة واحدة ، فمنها كبائر وفواحش عظيمة ، وهي التي تسمى أكبر الكبائر ، وقد جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيانها ، ومن أشهر ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((اجتنبوا السبع الموبقات [اي : المهلكات المسقطات فاعلها في النار ] : الإشراك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات )) رواه البخاري ومسلم. هذه من أكبر الكبائر الاشراك بالله عز وجل أن تشرك بالله غيره وأن تجعل لله ندا وهو خلقك، أن تدعو غير الله أن تستغيث لغير الله أن تلجا لغير الله أن تسجد لغير الله؟ أن تذبح تقربا لغير الله ان تنذر لغير الله ، وأعظم من ذلك من يسب الله عز وجل أو يسب دينه أو يستهزئ بشي من الدين أو يشك في شيء مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أو يجحد شيء من الفرائض أو يستحل شي من المحرمات، كل ذلك من اﻹشراك بالله والكفر به وذلك أعظم الكبائر وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك ﻹن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)).
والموبقة الثانية السحر قال الله عز وجل في كتابه العزيز (( واتبعوا مما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هارون وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وماهم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم وما ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون)). السحر كفر بالخالق وأذية للمخلوق ومنه الصرف والعطف وغير ذلك من الأنواع.
والموبقة الثالثة من أكبر الكبائر قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق قال الله عز وجل: (( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا)) قال في الآية الذي تليها: ((ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ))فهذه خمس عقوبات في هذه الآية لمن يقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق جزاءه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما. وقال صلى الله عليه وسلم ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)) لزوال الدنيا بسمائها وأرضها بجبالها وشجرها وحجرها وحيوانها أهون عند الله وعلى الله من قتل امرء مسلم.
والموبقة الرابعة من الموبقات والكبائر المهلكات أكل الربا قال الله عز وجل في كتابه العزيز: ((يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون )) أعلن الله عز وجل الحرب على أكلة الربا، وفي البخاري (( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((آكل الربا وموكله)) وفي السنن (لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه )كل هؤلاء ملعونون بلعنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . الربا سواء كان ربا البيوع الذي هو يختص
ببيع النقد بالنقد والطعام بالطعام ، و ربا القرض الذي قاعدته كل قرض جر نفعا للمقرض فهو ربا ، ويجب على المسلم أن يتعلم باب الربا حتى يتجنبه .
أسأل الله عز وجل أن يمن علينا بالعافية والخير والاستقامة. قلت ما سمعتم واستغفروا الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ، وصلاة وسلاما على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد: أيها المسلمون عباد الله ، قال الله عز وجل في كتابه العزيز (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما))
أيها المسلمون، الموبقة الخامسة من السبع الموبقات أكل مال اليتيم ، قال تعالى (( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا)) يا من جعلك الله على يتيما او يتامى اتق الله عز وجل فيهم واتق الله عز وجل في أموالهم واتق الله عز وجل في حقوقهم ؛ فإن وراء ذلك [وراء الظلم] عذاب عظيم ومهلكة ونار .
الموبقة السادسة : التولي يوم الزحف ، الفرار يوم الزحف بأن يفر المسلم عند مواجهة العدو من أهل الكفر (( ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرف لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم.
الكبيرة السابعة والموبقة السابعة قذف المحصنات الغافلات ، أن يقذف الرجل المؤمنة العفيفة الغافلة بالزنا عياذا بالله ، (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا وفي الاخرة ولهم عذاب عظيم )) وهذه وغيرها من كبائر الذنوب ومن أكبر الكبائر وليست محصورة في هذا الحديث ، ففي الحديث عن أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ((ألا أدلكم على أكبر الكبائر اﻹشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس وقال ألا وقول الزور وشهادة الزور وقال ألا وقول الزور وشهادة الزور وقال ألا وقول الزور وشهادة الزور قال أبوبكر وما يزال يكررها حتى قلنا ليته سكت )) رواه البخاري ومسلم ، فهذا حديث آخر يبين الرسول صلى الله عليه وسلم بعض كبائر الذنوب وذكر اﻹشراك بالله وهو مذكور في الحديث اﻵخر وذكر عقوق الوالدين من أكبر الكبائر أن يعق الرجل أباه أو أمه وأن يعصي الرجل أباه أو أمه (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا)).
وذكر أيضا صلى الله عليه وآله وسلم من كبائر الذنوب قول الزور وشهادة الزور قول الزور والكذب والشهادة بالزور من أجل إحقاق الباطل وإبطال الحق ، كان النبي صلى الله عليه وسلم متكئا فلما وصل عند هذه الكلمة جلس ، وكررها كثيرا حتى قال ليته سكت ، ليدلنا على خطر قول الزور وشهادة الزور، كم من إنسان اليوم يتساهل في هذا الشان ويقول الزور ويشهد الزور ويبطل الحق ويحق الباطل بكلامه وبشهادته وهو لا يبالي وهو يرتكب موبقة من موبقات الذنوب ومن المهلكات التي تلقي في النار والعياذ بالله ، و من كبائر الذنوب ترك الفرائض التي هي من مبادئ الاسلام ، فهي من أكبر الكبائر ترك الصلاة وترك أداء الزكاة وترك الصوم وترك الحج لمن استطاع اليه سبيلا ، ومن الكبائر الفواحش التي جاءت فيها الحدود ، الزنا واللواط وشرب الخمر والسرقة وغير ذلك ، ومن الكبائر العظيمة الظلم والبغي وأكل أموال الناس بالباطل والغلول والأكل من المال العام والنهب كل هذه من الكبائر ، ومن الكبائر الكذب والنميمة والغيبة واحتقار الناس والكبر والحقد والبغض والحسد ، كل هذه الكبائر حري على المسلم أن يخلي نفسه منها وأن يبتعد عنها وأن يجتنبها وأن يتوب منها ، وإذا وقع في شيء منها فإنه إذا فعل ذلك كفر الله عنه سيئاته وصغائره ؛ بصلاته وصيامه وعمرته وحجه.
أيها المسلمون عباد الله ، إن من أعظم الآيات الجامعات في بيان الكبائر قول الله سبحانه وتعالى: (( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله
ما لا تعلمون)) وقال الله عز وجل في أجمع آية في القرآن التي تجمع الأوامر والنواهي (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء وذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعضكم لعلكم تذكرون))
فاتقوا الله_ عباد الله_ واجتنبوا كبائر الذنوب وإذا وقع المؤمن في شيء منها تاب إلى الله قال الله عز وجل ((والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون))
أسأل الله عز وجل أن يمن علينا وعليكم باجتناب الكبائر، وأن يطهرنا من كل ذنب وسيئة ، وأن يجعلنا ممن يأتيه يوم القيامة بقلوب سليمة ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات اﻷحياء منهم والأموات ، اللهم اغفر لوالدينا ومعلمينا ولمن أوصانا بالدعاء اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم واختم لنا بخاتمة حسنة ، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
لتحميل الخطبة صوتية من هنا