خطبة رمضان تبشير الرسول به وأحوال الناس فيه -مفرغة-

خطبة رمضان تبشير الرسول به وأحوال الناس فيه

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه واله وسلم عبده ورسوله أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار (يا أيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )(يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أيها المسلمون ، أيها الصائمون ، كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر الكريم ، يخبرهم بقدومه مبشرا به وحاثا عليه ومعظما لشأنه ، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتاكم شهر رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم) رواه الإمام أحمد والنسائي وهو حديث صحيح صححه الألباني رحمه الله. يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بقدوم الشهر وكلهم يعلم أن الشهر قد قدم ولهذا كان هذا الإخبار هو تهيئة.. هو تبشير .. هو بيان للفضائل .. هو حث على استغلال الفرصة .. هو حث على تعظيم شعيرة من أعظم الشعائر ، (أتاكم شهر رمضان شهر مبارك) باركه الله عز وجل ، بارك في وقته ، بارك في الحسنات فيه، بارك في العبادة فيه، بارك فيه بالعفو والغفران والنجاة من النيران ، بارك الله عز وجل فيه بليلة القدر (شهر مبارك) باركه الله عز وجل وجعله كله بركة .
(فرض الله عز وجل عليكم صيامه) الفرض : الواجب ، أي أن صوم رمضان هو ركن من أركان الإسلام، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
وقال صلى الله عليه وسلم:
( بني الإسلام على خمس ) وذكر منها صيام رمضان .
(فرض الله عليكم صيامه) أي أن صيام رمضان فرض من الله سبحانه وتعالى فيجب على المؤمن أن يصومه إيمانا واحتسابا لا عادة واتباعا للخلق (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) “إيمانا” بالله عز وجل ، “إيمانا” بالرسول صلى الله عليه وسلم، “إيمانا” بالقران ، “ايمانا” بالإسلام ، “إيمانا” بفرض الصوم واحتسابا للأجر وابتغاء وجه الله والدار الآخرة لا رياء ولا سمعة ولا نفاق ولا اتباع عاده . ثم ذكر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بعض خصائص هذا الشهر ومميزاته فقال صلى الله عليه وسلم : (تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم) وفي رواية اخرى للترمذي (تفتح فيه أبواب الجنة فلا يغلق منها باب وتغلق أبواب النيران فلا يفتح منها باب) هنا يربطنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأخرة ..الدار الحقيقية بالجنة والنار وكم غفلنا عن الاخرة غفلت القلوب عن الموت وما بعده عن الجنة عن نعيمها عن أشجارها عن أنهارها عن الخلود فيها ، غفلت القلوب عن النار عن عذابها ولهيبها وسعيرها وزمهريرها وسلاسلها واغلالها ، يربطنا النبي صلى الله عليه وسلم بالآخرة الجنة والنار بعيدا عن الماديات والدنيا التي تلهينا التي تغشى على القلب رانا وغبارا فلا يذكر ولا ينتبه ، (تفتح أبواب الجنة) الثمانية في هذا الشهر الكريم باب الصلاة وباب الريان للصائمين وباب الجهاد وباب الصدقة وباب الاخلاق والصلة وباب التوبة كل الأبواب تتفتح للصائمين للمصلين للتائبين للمتخلقين بالاخلاق الحسنة. (وتغلق أبواب الجحيم) قال تعالى (لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم )تغلق أبواب الجحيم في هذا الشهر الكريم ، تغلق دركات النار من رحمة الرحيم سبحانه يريد لعباده أن يقبلوا عليه وأن يتوبوا إليه أن يستغفروه أن يعملوا خيرا حتى يدخلهم جنته، من رحمة الرحمن الرحيم سبحانه لا يريد أن يعذبنا ولا يريد أن ندخل النار (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) رحمة الله عز وجل وغفرانه معروضة في هذا الشهر لمن أرادها لمن طلبها لمن سعى فيها تتفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب الجحيم، وفي رواية الترمذي (وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر اقصر ) فالأوان أوان الخير وليس الأوان أوان الشر، قال صلى الله عليه وسلم (وتغل فيه الشياطين أو مردة الشياطين) وفي رواية (تصفد فيه الشياطين ومردة الجن )المردة من الشياطين أهل العتو يصفدون بالاصفاد والأغلال والقيود يسلسلون ، العدو “الشيطان” الذي نغفل عنه كثيرا يذكره النبي صلى الله عليه وسلم هنا ، فأعظم شر في العالم سببه إبليس الذي أخرج أبوينا من الجنة وأقسم بعزة الله عز وجل أن يغوينا (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ، ماذا فعل؟ ينزع لباسهما ، هذا هو مراده هذا هو طريقه إلينا، الشهوة وكشف العورات سبيل الشيطان لينزع عنهما لباسهما ليريهما سواءتهما ليحرك الشهوة ومن الشهوة ينطلق، يدخل علينا من هذه الأبواب ويضلنا بعد ذلك ، (لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ) تحذير من الله سبحانه وتعالى ومن رحمة الله سبحانه وتعالى ومن بركة هذا الشهر الكريم أن الله عز وجل يقيد مردة الشياطين العتاه منهم ، لا يقيد كل أحد وإنما المردة ، فكل شيطان مارد عات يقيد ؛ من أجل أن يخف الشر وتقل الوطأة على الناس ويبقى بعض الشياطين يوسوسون للناس من أجل الابتلاء ، خلق الله عز وجل الشياطين من أجل الابتلاء . خلقك الله عز وجل يا عبدالله وأرسل الرسل وأنزل الكتب وجعل لك عقلا تفهم به وأنار لك الطريق وعرفك طريق الخير وطريق الشر (إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سمعيا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) أبان الطريق وأعطاك المشيئة والإرادة وخلق الشياطين وليس بيدهم شي إلا الوسوسة لا سلطان له علينا إلا بالوسوسة ثم النفوس هي التي تتبع ومع ذلك في هذا الشهر الكريم تصفد الشياطين ومردة الجن فيتهيأ الناس للتوبة وللإقبال على الله وللاستعداد للفيوضات الربانية والنفحات الإلهية في هذا الشهر المبارك جعلنا الله عز وجل وإياكم ممن تناله هذه البركات ، وأعظم البركات بركة ليلة القدر (وفيه ليلة خير من الف شهر) فضل العمل فيها خير من ثلاثة وثمانين سنة .. فضل عميم ، وبركة عظيمة (من حرم خيرها فقد حرم) من حرم خير هذه الليلة فقد حرم الخير كله ، ومن الذي يحرمه الله عز وجل منها ؟ هو الذي لم يتهيأ لها من أول يوم من رمضان ، أخذ يفعل المعاصي ويفرط في الواجبات ولا يصلح نفسه ، مشغول بالدنيا وبالملهيات فإذا جاء زمانها حرمها ، ومن حرم خيرها فقد حرم .
فاتقوا الله عباد الله ، واستغلوا شهركم فيما يقربكم إلى ربكم. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،
أما بعد:
أيها الصائمون ، بشر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقدوم الشهر وذكر خصائصه وفضائله ومزاياه .. حثا على استغلال الفرصة فيه .. حثا على التوبة .. حثا على الإقبال على الله عز وجل ، وزجرا عن انتهاك حرمة شعيرة من شعائر الله العظيمة (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) ذكر النبي صلى الله عليه وسلم تلك الخصائص من أجل أن ننتهز الفرصة بالبيئة الصالحة المتيسرة للتوبة والعمل الصالح التي ينادي المنادي يا باغي الخير أقبل وياباغي الشر أقصر ، ولكن الناس مع ذلك ليسوا على حال طيب أو وتيرة واحدة مع هذه البشارة ومع هذا الشهر الكريم ، فالناس تختلف أحوالهم في هذا الشهر ، منهم من انتبه لوصية النبي صلى الله عليه وسلم واستمع لكلامه واستقبل الشهر بالتوبة وبالعزيمة على تغيير النفس ، يصوم صوما خالصا نقيا ، يكثر فيه من ذكر الله وقراءة القران ويعنى فيه بالصلاة وقيام الليل ويستعد فيه برحمة الله سبحانه وتعالى ، وصنفا آخر لم ينتبه لهذه الوصية لم ينتبه لهذه البشارة وهو في غفلة من أمره ، ينام النهار ويغفل بالليل مع التلفاز ومع المواقع الاجتماعية وصفحات التواصل الاجتماعية ، فهو في غفلة من أمره (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون * ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدثا الا استمعوه وهم يلعبون * لاهية قلوبهم) أسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يجعلنا وإياكم منهم ، وصنفا ثالثا واقع في المعاصي مفرط في الواجبات يصوم ولا يصلي أو يصلي ويترك أو يصوم وينتهك الحرمات؛ وبعضهم ينتهك الحرمات في ليالي رمضان ظنا منه أنه لا حرج عليه في ذلك او أن الأمر يسهل في ليالي رمضان ، فهذا الذي ينتهك الحرمات وينتهك حدود الله عز وجل متوعد بالوعيد موعود بعذاب الله عز وجل إذا ترك صلاة من الصلوات ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (بين الرجل والكفر أو الشرك ترك الصلاة) ، الذي يترك الصيام أو بعض أيامه أو يختان نفسه برؤية المحرمات في هذا الشهر الكريم عليه أن يتذكر الموت والرحيل عن هذه الدنيا والوقوف بين يدي الله عز وجل (يوم يقوم الناس لرب العالمين)سوف يسأل عن كل شيء ، فإما إلى الجنة وإما الى النار ، بل هو متوعد بالنار والعياذ بالله ، وهؤلاء ينبغي زجرهم ينبغي تذكيرهم وينبغي الأخذ على أيديهم من قبل الدولة ،
من ينتهك الحرمات ، من يرى يفطر في نهار رمضان ، من يضايق النساء في نهار أو ليالي رمضان (فإن الله عز وجل يزع بالسلطان ما لا يزع بالقران )كما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه.
وصنفا رابع أيها الأحبة هم المنافقون والمنافقون في كل زمان وإذا كان المنافقون قد كانوا موجودين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أفلا يكونون موجودين في هذا الزمان وفي كل زمان ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) المنافقون هم أعظم خطر (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، يفتحون لهم المسلسلات والافلام والمقاطع الباطلة وكلما يعطل المسلمين عن طاعة الله عز وجل ، يوجدون كل ما يحرف المسلم عن طاعة الله ويوقعه في معصية الله سبحانه وتعالى ، قال الله سبحانه وتعالى عنهم (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) نزلت هذه الآية في عبدالله بن أبي المنافق (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين امنوا) ، كيف كان عبدالله بن أبي يريد أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ؟ بمجرد إفكه وقذفه لعائشة رضي الله عنها وإعلان ذلك ، بمجرد إشاعته أن الزنا وقع في المجتمع المسلم بدلا من ستره ، اشاعته لفاحشة مكذوبة في بيت النبوة (يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين امنوا ) فكيف بمن يقدم على الفاحشة ويزين الفاحشة ويهيئ الفاحشة ويدفع إلى الفاحشة ؟ اعرف عدوك عبدالله واحذر منه، انتبه لنفسك من أن تضل عن طاعة الله عز وجل، إذا كانت شياطين الجن تقيد وتصفد فشياطين الأنس لا تقيد ولا تصفد .
اتقوا الله عباد الله استقبلوا شهركم بالتوبة إلى الله سبحانه تعالى ، توبوا إلى الله توبة نصوحا من كل ذنب ، استقبلوا شهركم بالعزم على التغير الى الأحسن الى إصلاح النفس وتزكيتها ، استقبلوا شهركم بالعفو والتغافر فيما بينكم (وليعفوا وليصفحوا الا تحبون أن يغفر الله لكم ) ، استقبلوا شهركم باستغلال الفرصة وإعداد النفس من أوله حتى تحوزوا خيره في آخره . أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وصلاتنا ودعاءنا، اللهم اجعلنا من خيرة الصائمين واجعلنا من خيرة المصلين واجعلنا من خيرة العابدين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات ، اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا وتب علينا ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمعلمينا ومن أوصانا بالدعاء اغفر لجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والأموات، اللهم رحماك بالمستضعفين من المسلمين في كل مكان ، اللهم رحماك بنا يا رب العالمين في الدنيا والآخرة . عباد الله ، صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
عباد الله ، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظم لعلكم تذكرون فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم والله يعلم ما تصنعون.

 

 

 

لتحميل الخطبة صوتية من هنا

زر الذهاب إلى الأعلى