حكم التوسل والاستعانة بالنبي والأولياء الصالحين
رقم الفتوى ( 2686 )
السؤال : هل يجوز التوسل والاستغاثة بالنبي عليه الصلاة والسلام والأولياء الصالحين بعد مماتهم وما الحكم في ذلك؟
الجواب : ينبغي أن يعلم أولا أن التوسل شيء والاستغاثة شيء آخر، فلابد من الفصل بين النوعين في المعنى، والفصل كذلك في الحكم عليهما.
فالتوسل هو التوصل، وهو في الشرع اتخاذ وسيلة تقرب إلى الله عز وجل، ويطلق ويراد به اتخاذ وسيلة عند دعاء الله عز وجل رجاء استجابته، وينقسم إلى نوعين: توسل مشروع، وتوسل ممنوع:
فالتوسل المشروع: هو التقرب إلى الله عز وجل بالوسائل التي شرعها الله عز وجل في كتابه أو في سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ومن التوسل المشروع:
١- التوسل بالأعمال الصالحة المشروعة كما توسل أصحاب الغار إلى الله عز وجل بأعمالهم الصالحة حتى يفرج عنهم ما هم فيه، ففرج الله عنهم ما هم فيه.
٢- والتوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، قال الله عز وجل: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة اﻷعراف: 180].
٣- والتوسل بدعاء الرجل الصالح الحي كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمر رضي الله عنه: “لا تنسنا يا أخي من دعائك” .
وأما التوسل الممنوع فهو ما سوى ذلك، ومنه التوسل بذوات الأنبياء والصالحين وبجاههم؛ لأن ذوات الأنبياء والصالحين ليست من القرب التي يتوسل بها إلى الله عز وجل، وكذلك التوسل بجاه الأنبياء والصالحين ومنزلتهم عند الله عز وجل، فللأنبياء والصالحين جاه عظيم عند الله عز وجل ومنزلة رفيعة كسبوها بعلمهم وعملهم، ولكن تلك المنزلة وذلك الجاه ينفعهم هم ولا ينفع سواهم بذات كونه جاها ومنزلة، فمن توسل بذوات الصالحين أو بجاههم المجرد فقد أخطأ وفعل ما لا دليل عليه، وهذا النوع من التوسل خطأ وبدعة، ولكنه لا يصل إلى حد الشرك، وحديث الأعمى المراد به التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والخلاف في هذا خلاف فقهي.
وأما من توسل بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أو بغيره من الأنبياء فقال مثلا: ” اللهم إني أتوسل إليك بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم” وقصد بذلك التوسل بمحبته للرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو باتباعه له، أو بتعظيمه وإجلاله لهذا الذي له جاه عند الله عز وجل فهذا جائز ولا حرج فيه؛ لأنه توسل بعمل صالح وهو محبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو اتباعه أو تعظيمه ونحو ذلك.
وأما الاستغاثة فهي طلب الغوث، وهي دعاء المستغاث به مباشرة وطلب الغوث منه والعون في وقت الشدة، والغوث والإعانة في وقت الشدة نوعان:
النوع الأول: ما يقدر عليه المخلوق، كإغاثة الغريق بإخراجه من الماء وإغاثة من وقع ببيته حريق لإخماد الحريق وإطفائه وإغاثة من أحاط به عدو بمحاربة العدو واستنقاذه ونحو ذلك، فالاستغاثة بالمخلوق في نحو هذا استغاثة جائزة بإجماع المسلمين، ومن هذا قول الله عز وجل: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ)[سورة القصص: 15].
والنوع الثاني من الغوث: هو ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل مما هو من خصائص الله عز وجل كالغوث بإنزال المطر وإعطاء الولد وتحقيق ذات النصر وشفاء المرض بالأسباب الخفية، والاستغاثة بطلب هذا النوع من الغوث لا يجوز إلا من الله عز وجل، قال الله عز وجل: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [سورة النمل: 62]. فمن اعتقد أن أحدا من الخلق يجيب المضطر ويغيث في شيء مما هو من خصائص الله عز وجل فقد اتخذ ذلك المدعو ربا مع الله عز وجل، ومن دعا مخلوقا طالبا منه ما هو من خصائص أفعال الله عز وجل فقد أشرك بالله عز وجل في العبادة، وهذا ما كان يفعله أهل الجاهلية فإنهم كانوا يدعون الأصنام ويقصدون الصالحين الذين جعلت لهم الأصنام ليكونوا وسائط بينهم وبين الله عز وجل، كما قال سبحانه وتعالى: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [سورة الزمر: 3]. فكانوا يدعونهم ويطلبون منهم ليقربوهم إلى الله عز وجل زلفى.
وأما إذا دعا المسلم الولي الميت وطلب منه ولكن كان قصده طلب الدعاء منه وطلب الشفاعة بالدعاء فقط، وهو يعتقد أنه لا يجيب السائل بفعل ما هو من خصائص الله عز وجل، وإنما يدعو الله عز وجل بأن يفعل ذلك الفعل فهذا بدعة واعتقاد باطل ؛ لأن الموتى لا يدعون لأحد ولا يشفعون لأحد في البرزخ، ولكن هذا لا يصل إلى حد الشرك الأكبر، كما نص على ذلك شيخ الأسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه “قاعدة جليلة” وفي “الفتاوى”، وبعض العلماء يقصد هذا المعنى بالاستغاثة كما صرح به ابن عبيد الله السقاف رحمه الله في “بضائع التابوت”، ولكن العوام لم يعرفوا هذه الدقائق ووقعوا في الشرك والاعتقاد الباطل، فليحذر العالم وليحذر طالب العلم من التهاون فيما يوقع العامة والجهال في الشرك المخرج من الملة.
والله أعلم.